الأسبوع الماضى شهد أخباراً إيجابية للصحفيين، وأخرى سلبية جداً للمهنة ومستقبلها. تم الإعلان عن زيادة بدل التدريب، وجرى الإفراج عن ثلاثة زملاء هم محمود أبوزيد «شوكان»، وحسام السويفى وأحمد عبدالعزيز. لجنة حماية الصحفيين الدولية تؤكد أن مصر من بين أسوأ أربع دول تسجن الصحفيين. لدينا 21 صحفيا على الأقل فى السجون. لدينا زملاء بالخارج يخافون العودة لأسباب مختلفة.
فى نفس الأسبوع، تحدثت الحكومة رسميًا عن إعادة «هيكلة الصحف»، وأنها لن تظل تنفق عليها إلى الأبد. المقصود بالطبع الصحافة القومية، التى أنفقت عليها الدولة فى عهد مبارك بسخاء لأهداف معلومة، وها هى الآن تعايرها وتطلب تقليص إصداراتها، وترشيد إنفاقها.
اطلعت على خطط هيكلة الصحافة وماسبيرو، قبل ثلاثة أعوام، قيل لى إنها دراسات قديمة قامت بها حكومة نظيف، وإن الحكومة لن تستمر فى الإنفاق عليها رغم أصولها الهائلة. المؤسسات تدار بشكل سيئ وعشوائى، هكذا قيل لى.
لم يجرؤ مسؤول واحد، طوال هذه السنوات، على تفعيل الهيكلة. الغريب فى الأمر أن «الخطة» تنطلق رسميًا بالتوازى مع انتخابات الصحفيين، ومع دعم «الدولة» لضياء رشوان. لسان حال الحكومة «ندعم رشوان، لكن لا تراجع ولا تأخير لخطط الهيكلة».
فى نفس الأسبوع أيضًا، طالنا الكثير من السهام السامة وموجات من السخرية، بسبب تداول خبر ترشيح «الوزير الميت» لوزارة النقل.
لكل مهنة مؤهلات ومواصفات للعاملين فيها إلا مهنة الإعلام بشكلها الحالى. تنقلب الدنيا، إذا تم القبض على طبيب أو صيدلى أو مهندس مزور، أو مارس مهنته بلا شهادات علمية مناسبة. الإعلام حاليًا، مهنة من لا مهنة له. ولا أقصد بالطبع ضرورة الحصول على بكالوريوس إعلام من الكليات المتخصصة. كثير من رموز المهنة لم يدرسوا فى هذه الكليات. ما أقصده الموهبة والتدريب والمتابعة. كثير من المواقع والفضائيات تفضل حاليًا معدومى الموهبة وغير المتدربين ومحدودى الذكاء ليسهل تلقينهم، ولكى يرددوا ما يطلب منهم. فى عقلى أسماء عديدة ووجوه لا تصلح للظهور على الشاشات أو كتابة خبر واحد، فما بالكم وهم نجوم الإعلام حاليًا!.
من الممكن أن يرد البعض إن الخبر المقصود تورطت بنشره مواقع بارزة ومهنية جداً، للأسف نشره صحفيون يغطون وزارة النقل. هناك قيود ثقيلة على ممارسة هؤلاء الشباب لعملهم. اطلعت على تعليمات رسمية تمنع الزملاء من الوصول إلى موقع الحادث، أو الحديث للمسؤولين الرسميين، أو الاستقصاء وصولاً لسيناريو مقنع لأسباب الحادث.
الزملاء معذورون. تسريبات صحفية وفيديوهات للمشاهير خرجت بنفس الأسلوب، وثبت صحتها. لدينا جهات رسمية تفضل الإعلام هكذا. تسريبات المواقع والسوشيال ميديا والهواتف المجهولة باتت شعاراً للمرحلة.
ناجى والوزيرة سحر
رحم الله زميلنا وصديقنا الراحل ناجى عبدالعزيز. كان شهماً وعطوفاً. صحفياً بارعاً. لديه القدرة على بناء الصداقات والعلاقات مع الجميع- الوزراء وكبار المسؤولين والأساتذة الأكاديميين المتخصصين فى الاقتصاد- مع البسطاء فى الشارع وفى قريته بالشرقية التى قدم لها الكثير. هزمه السرطان اللعين. كان قويًا فى المواجهة وبمقدرته على الانتصار. رأيته للمرة الأخيرة فى شرم الشيخ مع الصديق وليد مجدى، على هامش مؤتمر «الكوميسا». سمعنا منه ونحن نشرب الشاى على أحد المقاهى الملاصقة للفندق الذى كان يقيم فيه، مراحل علاجه ومقاومته المرض، لكن السرطان اللعين تمكن من ناجى بعد شهرين فقط.
كانت الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار، من أقرب الأصدقاء لـ«ناجى». ليست علاقة وزيرة بصحفى يغطى وزارتها، لكنها كانت علاقة إنسانية جداً. «هى عطوفة وبنت ناس وجدعة» سمعت هذا التعبير من زملاء يعملون بالقرب منها، وسمعته من المرحوم ناجى وزملائه، خاصة عندما زارته فى شقته بالتجمع مع اشتداد المرض عليه.
علمت فيما بعد أنها تحمست لعلاجه فى الصين، بنقل كبد كاملة له، لكن القدر لم يمهل ناجى. سحر نصر تقرأ كل ما يكتب عنها. بعض ما يكتب لا يكون إيجابياً، لكنها ترد وتصحح.. وتغضب أحياناً. هكذا هى علاقاتها مع الجميع، ولم يكن المرحوم ناجى استثناء فى ذلك، لكنها فى العلاقات الإنسانية وفى هذا الموقف الذى أكتب عنه- تفوقت على الجميع.. فشكراً لها.
البدرى والمعاشات
كتب الزميل حمدى جمعة على صفحته، عرضاً سريعاً لمسيرة المناضل والسياسى البدرى فرغلى. ليت حمدى أو أى كاتب زميل يستغرق فى قصته هذا السياسى العمالى العصامى، وينشرها لنا فى فصول بموقع أو صحيفة أو يجمعها فى كتاب. قصة تعب وشقاء ونجاح. البداية بالنضال الشعبى بالقناة، ثم خلال التهجير فى المنصورة، أو فى العودة لبورسعيد مع مقدمات الانفتاح، أو تحت القبة فى البرلمان
دخل كل البيوت، وحصل على شعبية فى كل المحافظات وليس فى بورسعيد وحدها. خرج البدرى من عضوية البرلمان بمؤامرة واضحة، ولكن كان هذا من حسن حظه وحسن حظ أصحاب المعاشات. تفرغه للدفاع عن حقوقهم جاء رحمة للجميع.
أتذكر أنه قبل ثلاثة أعوام تقريباً تواصل معى هاتفياً، وطلب أن نمنحه المساحة لكى يكتب عن الدعوى التى رفعها هو واتحاد أصحاب المعاشات ضد وزارة التضامن. كانت المقالات ساخنة وجريئة ومنتقدة بعنف للوزيرة غادة والى، والتى أشهد أنها لم تغضب أو تشكُ. فقط كانت أحياناً ترسل رداً، أو تصدر بياناً من الوزارة لتوضح ما جاء فى المقالات.
أعتبر حكم الأسبوع قبل الماضى من «الإدارية العليا» حول زيادة المعاشات- هو أغلى إنجازات البدرى. وأنا على يقين من حنكة الوزيرة ومن قبلها رئيس الوزراء، وبأنهما سينفذان الحكم كما هو. لم أجلس فى مجلس إلا وكان عنوانه الرئيس «حكم المعاشات». لدينا ظُلم بيِّن لهذا القطاع الواسع. ومطلوب حلول جذرية لأزماتهم. كيف يتراجع دخل موظف على المعاش اصطحب مع سنوات عمره وشقائه، كل الأمراض والديون والالتزامات. يتراجع للنصف وأحياناً الثلث. نحتاج أيضاً حلولاً عملية فى الملف مستفيدين من خبرات الدول الأخرى. وتبقى نصيحتى للبدرى فرغلى: اكتب مذكراتك أو على الأقل اتلُها على صديق.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع