توقيت القاهرة المحلي 04:56:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حكايات السبت

  مصر اليوم -

حكايات السبت

بقلم - محمد السيد صالح

أراد قمبيز ملك الفرس، أن يعاقب كهنة آمون والذين تنبأوا بأن يُهزم ويفنى جيشه فى مصر، فخرج بقواته قاصداً سيوة لكى ينتقم من الكهنة لكنه تاه هناك وابتلعه بحر الرمال ولم يُعثر له على أثر حتى الآن. استوعب الأسكندر الأكبر الدرس جيداً واستمع لنصائح كهنة آمون بأن يذهب لمعبده فى الواحة ويتحدث مع الإله فى معبد التنبؤات.

قيل إنه بُشر بفتح العالم لكنه سيموت شابًا.. وغير من مظهره وصوره ولقبه ليصبح ابن آمون. استوعب ملوك ورؤساء سياسيون وزعماء الدرس جيداً.. درس سيوة والصحراء وقدسيتها.. ولازال آخرون أقل من مستوى التحدى!

المسافة من القاهرة لواحة سيوة فى حدود الثمانمائة كيلو، ربما تزيد المسافة قليلاً. زرتها مرات عديدة، لكنها هذه المرة لمهمة صحفية خالصة. بدعوة من الخبير البيئى والسياحى الدكتور منير نعمة الله وشركته «نوعية البيئة الدولية» ومساعديه الاستشاريين الصديقين عماد فريد ورامز عزمى لحضور انطلاق مشروع إحياء وترميم مدينة شالى الأثرية بالواحة، وهو مشروع ممول من الاتحاد الأوروبى. وقبل أن أصل إلى هذا الجزء من الموضوع، أؤكد أنه قد هالنى حجم الإهمال فى الطريق الوحيد الموصل للواحة من مرسى مطروح. طريق طوله ثلاثمائة كيلو «فردى» نصفه قيد التطوير والإصلاح من شهور طويلة. وقد شهد حوادث خطيرة بسبب حمولات سيارات النقل الثقيل التى تحمل الملح من الواحة للتصدير. كان الطريق أفضل من ذلك. كانت سيوة أكثر اتساقا مع طبيعتها كواحة ومحمية طبيعية.

زحفت العشوائية والبيوت الأسمنتية الكئيبة وانحسرت البيوت التقليدية المبنية بالكرشيف، فى ظل غياب تام لأجهزة الدولة.

زرت فندق «أدرير أملال» مرتين من قبل، بل إنى صورت الجناح الذى نزل به الأمير تشارلز وزوجته كاميلا قبل عشر سنوات تقريبًا. وصار مقصداً للسياح. هذه المرة دخلته مساءً، وما أدراك ما المساء فى «أدرير أملال» هو السحر كله. ظلام شاعرى، ونجوم وكواكب الخريف تشكل لوحة فاتنة يتوارى بعضها خلف جبل جعفر بقمته الشهباء، وتغازل منحنيات ثنايا بحر الرمال الأعظم فى الغرب. لن يشتت أى ضوء عشوائى تركيزك من السماء أو من داخلك.

لا أصوات غير صوتك أو رفيقك فى ملكوت المكان. الفندق البيئى الأشهر فى العالم بدون كهرباء تمامًا ولا وسائل حديثة، لا ينير ظلمة الليل إلا قناديل عتيقة وشموع فى مشكاوات بيضاء مصنوعة من الملح.

سألت الدكتور منير ونحن فى إحدى الاستراحات البسيطة والجميلة التى تعلو بناية من دور واحد مبنية من الكرشيف عن وحيه لبناء فندق دون كهرباء أو وسائل اتصال حديثة ومن أى مكان استوحى فكرته. قلت له: إننى زرت فنادق بيئية عديدة، لكنه الأكثر جرأة فى انتصاره للطبيعة والعزلة.

فحكى الخبير البيئى، الذى تربطه علاقات قرابة مباشرة بالدكتور بطرس غالى، أنه قبل عشرين عامًا تقريبًا، دعا مجموعة من الأصدقاء الأوروبيين إلى سيوة، وكان بينهم أحد المنتجين فى إيطاليا وكان يعانى أزمة وجودية فى عمله، واحتاج فترة من السكون والصمت لإعادة صياغة مستقبله. وبعد أسبوع من الإجازة الهادئة منحنى فكرتى بأن أبقى على المكان كما هو وبدون وسائل حديثة وبدون الكهرباء. وقد نفذت فكرته.

يأتى إلينا مشاهير العالم. يحتاجون الانعزال عن المدينة وعن صخب الحياة.

حدثنا نعمة الله عن جهده هو ومساعديه للحصول على تمويل لمشروعه بترميم مدينة شالى، وكيف نجح فى مسعاه أخيراً، بدليل حضور اثنى عشر سفيراً معظمهم أوروبيون للاحتفال مع وزير الآثار والبيئة والمحافظ ببدء الترميم.

فى محاضرتين منفصلتين لشيوخ وعواقل الواحة عن أهمية المشروع، عرض الاستشاريان عماد فريد ورامز عزمى، تفاصيل إنقاذ قلعة شالى، وكيف أن المنقذين وهم من البنائين القلائل الباقين الذين يجيدون البناء بالكرشيف، وهم من أبناء الواحة. عرضا معًا، كل المعلومات الأصلية عن المكان، وهو عبارة عن قلعة تم بناؤها فى عهد المماليك (حوالى عام 1200 ميلادية) وذلك لدرء الغزاة، وتم بناء القلعة باستخدام خامات البناء التقليدية المحلية «الكرشيف» وهو حجر مكون من الملح والطَفلة والذى يوجد عادة بسيوة، وعندما استقرت مصر فى عهد محمد على باشا (بعد 1805) لم تعد هناك حاجة لسكان سيوة للتحصن بحدود القلعة الطينية فنزلوا منها للمناطق الأكثر اتساعًا، وقاموا بتفكيك الأبواب والنوافذ.

وظلت أجزاء من الحوائط القديمة صامدة رغمًا من عوامل التعرية. ورصدت عدسات المستكشفين والرحالة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كيف أن البيوت داخل قلعة شالى وصلت إلى سبعة طوابق.

فى المحاضرة، نشر عماد ورامز صوراً قديمة ورائعة للقلعة بصورتها التقريبية. قلت لهما- وللدكتور منير- إن الناقد الراحل سمير فريد- وبعد أن قرأ حلقاتى التى نشرتها عن السياسى والرحالة الراحل أحمد حسنين باشا، قال لى إن الأفلام التى صورها حسنين باشا- وضمنها صور وأفلام عن سيوة موجودة فى مكتبة الجامعة الأمريكية.

أعود لعماد ورامز، وقد أعجبنى فى عرضهما، أنهما حرصا على الاستماع إلى ملاحظات الأهالى حول تفاصيل الترميم. طلبا صوراً ومعلومات حول الأشكال القديمة للمبانى وللمساجد التى قامت شركتهم بترميم اثنين منها فى القلعة القديمة، وقد صليت الجمعة فى أحد هذه المساجد العتيقة.

الحديث عن أزمات ومشاكل سيوة يطول، وقد قرأت عشرات الأبحاث والمقالات وخاصة عن أزمة المياه الجوفية. وقد اطلعت على مقترحات المعاهد البحثية وخاصة جامعة الإسكندرية ومعهد بحوث الصحراء ومعاهد وزارة الرى، مرات عديدة، ونشرتها أنا وزملائى فى أكثر من موضوع ولم يتم تنفيذ أى من هذه المقترحات على أرض الواقع.

وقد أعجبنى موقفًا، ما أقدم عليه الشيخ عمر راجح، أحد أبرز شيوخ الواحة، والأكثر ثقافة وتفاعلا وأبرز رموزها، وكيف احتد على عدد من مسؤولى وزارة الرى فى حضور محافظ مطروح، وكان الاجتماع موضوعه الأساسى بحث أزمة المياه الجوفية وملوحة التربة.

قال لهم راجح: بل أنتم سبب تفاقم الأزمة. نفس الوجوه القديمة التى تركت الأزمة تتفاقم!

الدولة وبدلاً أن تعالج أزمة مياه الصرف الزراعى، بدأت فى المتاجرة فى أطنان الملح المتخلف عن مياه الصرف الزائدة حيث تقوم بتصديره لإذابة ثلوج أوروبا. وأعلم جيداً أن «الواحة» وشعبها لا يستفيدون كثيراً من تصدير الملح!

أعجبنى وعود وزيرى السياحة والآثار فى مؤتمرهما الصحفى داخل قلعة شالى، ولهما نصيحة واحدة، يمكن أن تضاف إلى الجهد المبذول بترميم القلعة. أنصحهما بأن يعيدا للواحة هدوءها ونقاءها قدر الإمكان، وأن يهتما بالنظافة، وأن يبعدا الصخب والعشوائية عن سيوة، وأن ينصحا زميلتهما وزيرة البيئة بزيارة «الواحة» باعتبارها محمية طبيعية فى الأساس.

كان ضمن السفراء المدعوين إلى سيوة، سفير المكسيك. تفكير خارج الصندوق من صاحب فكرة دعوته. علينا أن نتجاوز شبح الإدارة السيئة لحدودنا.

أعرف جيداً القيود المفروضة على السياحة البيئية فى المنطقة الغربية، والتى زادت بعد حادثى كمين الفرافرة ثم مقتل السياح المكسيكيين بطريق الخطأ قبل ثلاث سنوات تقريبًا.

أتمنى إدارة مختلفة لملف الحدود مع تحقيق انتصارات مهمة فى هذا الشأن وللعلم فقد انتهت رحلتنا للواحة الحدودية الملاصقة لليبيا فى اليوم السابق لإعلان القبض على الإرهابى هشام عشماوى فى ليبيا!

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكايات السبت حكايات السبت



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon