«الضبعة».. نقطة نظام
«قيمة الأرض التى يقام عليها مشروع محطة الضبعة النووية، التى تمتد بما يزيد على ١٥ كيلومترًا فى أفضل مناطق الساحل الشمالى، تزيد على ٥٠ مليار جنيه. لو تحولت للاستثمار السياحى فى الوقت الحالى».. هذه المعلومة حصلت عليها من خبير ومستثمر بارز. كنت أبحث عن معلومات حديثة عن مستقبل مشروع الضبعة النووى فى ظل التحديات التى تواجهها روسيا حاليًّا. وأنا أوردت ما قاله ضمن هذه الحكايات، وفضلت أن أبدأ بها، ثم أنتقل لبقية أفكار المقال:
سألنى صديقى الصحفى ونحن جالسان على القهوة، وهو يعلم مدى اهتمامى بالمشروع النووى وتحمسى لفكرته، فى مرحلة سابقة، وكيف أننى زرت المكان وبقيت هناك ليوم كامل.
سألنى عن مصير المشروع فى ظل العقوبات الدولية الشاملة والقاسية على روسيا وشركاتها بسبب غزوها لأوكرانيا؟ هل ستفى مؤسسة «روسيا تووم» بتعهداتها، أم أن هناك مستجدات على سطح الأحداث ستعرقل التتفيذ؟ وهل هناك شروط جزائية فى العقد سيتم تفعيلها من الجانب المصرى، لو تأخروا فى التنفيذ؟.
بحثت عن أجوبة لنفسى ولكى أنقلها لصديقى فلم أعثر. كل المتاح سطور قليلة على وسائل التواصل الاجتماعى من أفراد عاديين أو مهتمين بالشأن العام، وليس من متخصصين أو مسؤولين عن الملف.
فقط، عثرت على معلومات مهمة، فى موقع عربى، وليس مصريًّا. تحدثوا لخبراء مهمين ومسؤولين سابقين غابت تصريحاتهم ووجوهم عن إعلامنا. قرأت فيه عن أزمة الشركات الدولية التى تعاقدت مع الشركة الروسية العملاقة للمساهمة فى المشروع، وهى لن تفى بتعهداتها؛ فهى ملتزمة بالعقوبات الدولية ضد روسيا.
هناك الشركة الكورية للطاقة المائية والنووية KHNP وهى متعاقدة مع المؤسسة الروسية، لتوريد معدات ومواد البناء الرئيسية والفرعية لـ«جُزر التوربينات» التى تضم المولدات التى تنتج الطاقة من البخار المتولد فى المفاعل النووى. هذه الشركة ملتزمة بالعقوبات. وترددت معلومات أخرى عن شراكات أخرى تعطلت مع موردين ومقاولين أوروبيين وأمريكيين لنفس السبب.
والمفاعلات الأربعة المخطط بناؤها بالضبعة ستنتج ٤٨٠٠ ميجاوات من الكهرباء بواقع ١٢٠٠ ميجاوات من كل محطة. وسيبدأ تشغيل أول وحدة، وفقًا للعقد فى ٢٠٢٨. والتكلفة الإجمالية للمشروع فى حدود ٢٥ مليار دولار. ومصر كان لديها دائمًا طموح لامتلاك برنامج سلمى للطاقة النووية. لدينا أقسام رائدة فى الجامعات، ومفاعلات بحثية، وخبراء يعملون بكفاءة فى مصر والخارج، لكن الطموح كان لهدف إقامة محطات نووية لإنتاج الكهرباء. وكما هو معروف، فقد تعثر المشروع لأول مرة مع انفجار محطة تشرنوبل فى أوكرانيا عام ١٩٨٦ والتى كانت تابعة حينئذٍ للاتحاد السوفيتى. ثم حدثت ضغوط خفية وعلنية خلال العقود التالية من الغرب لتعطيله.
■ عادت الدماء للمشروع فى العقد الأخير من حكم مبارك، لكن برزت الخلافات داخل حكومة نظيف بشأن الضبعة ومستقبل المنطقة كلها. وزير الكهرباء الدكتور حسن يونس، كان على رأس المتحمسين، بل إنه فى تصريحات منشورة قدّر تكلفته فى ذلك الوقت بأنها أقل من مليار دولار، وشجعه الرئيس مبارك فى هذا التوجه. وبالفعل تمت الاستعانة ببيت خبرة أسترالى وأجرى دراسات على أكثر من موقع واستقر على «الضبعة».
لكن كان هناك تيار قوى مناوئ لإقامة المشروع فى منطقة خلابة على ساحل البحر المتوسط، ويتوسط المنتجعات السياحية الغنية. على رأس هذا الفريق كان وزير السياحة زهير جرانة، الذى صرح بالفعل بأن الضبعة ستتحول إلى مشروع سياحى. وكان هناك لوبى قوى داخل الحزب الوطنى الحاكم يدعم هذا الاتجاه، رغم تبنى جمال مبارك المشروع النووى بالضبعة.
كان أبرز الرافضين للمشروع الدكتور إبراهيم كامل، حيث كانت له استثمارات ضخمة فى المنطقة، وصلت لدرجة أنه قد حصل على حق إدارة مطار العلمين بنظام (B.O.T) وأتذكر أننى وجهت له سؤالًا بهذا المعنى فى مؤتمر صحفى أقامه فى فندق يمتلكه بمنطقة خليج غزالة، والذى بيع بعد ذلك. كان سؤالى عن هذه الثنائية الغريبة فى فكره، حيث كان قريبًا من جمال مبارك، وكان يوصف بمعلمه الأول، وفى نفس الوقت، يعارض مشروعًا يتبناه جمال؟!
■︎ جرت مياه كثيرة فى هذا الملف النووى. قام المصريون بثورتين. تغيرت معالم كثيرة هنا وهناك. حققنا اكتفاء ذاتيًّا من الكهرباء بمحطات الوقود التقليدى، بل لدينا فائض فى حدود ٢٥%، وفقًا لتصريحات المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة. نُصدر الغاز، وأصبحنا مركزًا إقليميًّا لتسييله وتصديره لأوروبا. هناك دول غربية مهمة أغلقت محطاتها النووية. تضاعفت ديوننا المحلية والأجنبية كثيرًا بسبب مشروعات التنمية وعلى رأسها إقامة محطات الكهرباء، فما بالكم بإضافة ٢٥ مليار دولار، فى الوقت الحالى، وهى تكلفة المحطات النووية الأربع؟!.
■ لدينا أخطاء عديدة وبارزة فى التعامل مع سواحلنا، وخاصة الساحل الشمالى. كان نشر القرى السياحية ابتداءً من مطلع الثمانينيات من القرن الماضى يتم بعشوائية، ودون تخطيط عمرانى جيد. والأهم أن خزينة الدولة لم تستفد الكثير من نشر هذه القرى المفتقدة للجمال، وهى فى غالبها ملك لوزارة الإسكان. وشاب إنشاءها وتخصيص وحداتها كثير من الملاحظات واتهامات بالفساد. حدث التحول النوعى مع اهتمام المطورين العقاريين بالساحل الشمالى. لنعترف بأن الأسعار زادت، بل أصبحت فلكية ولم يعد بمقدور الطبقة المتوسطة تملك وحدات حديثة هناك. ولكن فى المقابل استفادت خزينة الدولة من اهتمام الشركات الكبرى المصرية والخليجية بالساحل.
وانطلاقًا من هذه الممارسات التى تنفذها الحكومة فى العلمين الجديدة، أدعو لإعادة التفكير فى مكان مشروع الضبعة النووى.
لا أقول إنه ينبغى علينا أن نلغى المشروع تمامًا، بل من الممكن نقله عدة كيلومترات فى قلب الصحراء. ليكن فى صحراء الضبعة نفسها. سألت متخصصين حول إمكانية ذلك، فقالوا مع نفس نوعية المحطات التى تعاقدت مصر بشأنها مع «روسيا تووم» يمكن بناء أنبوب لنقل مياه التبريد من البحر للموقع الجديد، وأن التكلفة فى حدود ٣٠ مليون دولار.
فى المقابل، فإن ذلك سيسهم فى تطوير الساحل كله، ويهدى لخزينة الدولة ٥٠ مليار جنيه.
ولا أعتقد أن الشريك الروسى سيرفض ذلك. لديه أزمات عديدة فى الالتزام بجدوله الزمنى. ومن شأن هذه النقلة أن تمنحه وقتًا هو يحتاجه بالفعل.
كما أن تأمين المشروع فى موقعه المقترح سيكون أكثر سهولة، وسيمنح الأمان لجميع المستثمرين والسكان بطول الساحل.