■ تعقيب الوزير
يوم السبت الماضى تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، للتعقيب على ما جاء فى الجزء الأول من حكايات الأسبوع الماضى والتى حملت عنوان «تقييم وزير التعليم». ما كتبته كان حول نتائج التقييم الوطنى الذى قامت به الوزارة لمادتى اللغة العربية والرياضيات للصف الرابع الابتدائى. أكد الوزير لى أن النتائج التى أشرت إليها جرت على تلاميذ درسوا وفقًا للمنهج القديم وليس المنهج الذى جرى تطويره.
وأن لديهم صياغة مُضللة فى البيان المنشور تسببت فى هذا الالتباس، وقد تمت مساءلة من قام بصياغته هكذا. كما أكد أن هناك تقييمًا جديدًا سيجرى فى شهر إبريل المقبل على عدد ضخم قد يصل لربع مليون تلميذ. وتوقع أن النتائج ستكون جيدة قياسًا بنتائج التقييم السلبى التى نشرتها. مصدر تفاؤل الوزير أن نسبة النجاح فى الصف الرابع الابتدائى لهذا العام، بعد تطوير المناهج، بلغت ٩٨%.
..هذا تلخيص لما قاله الوزير حول ما كتبته، ولكن الحديث تطور لنقاط أخرى، رأيت أنها مفيدة وسأعرض ما قاله هنا فى مجموعة نقاط:
■ تطوير المناهج مستمر، بدأنا بالحضانة وانتهينا من رابعة ابتدائى، والدور على الصف الخامس. ومناهجنا الحديثة، وفقًا لليونيسكو، صُنّفت قبل أسابيع معدودة بأنها الأقوى فى العالم، وعلى قدم المساواة مع المناهج فى فنلندا.
■ المعلمون بحاجة لتطوير وتدريب مستمر. والإمكانات المادية تعطل تعيين الكفاءات. ومن يتقدم لوظيفة معلم براتب لا يتعدى ألفى جنيه الآن، هو الذى لم يوفق فى العثور على وظيفة أفضل. ولو كان الأمر بيدى لرفعت من قيمة راتب المعلمين، وحصلت لهذه المهنة على أفضل الكفاءات.
■ نهتم بمسابقة تعيين ٣٠ ألف مدرس جديد، والأولوية لمعلمى رياض الأطفال والسنوات الأولى فى الابتدائى لأنها الأساس. وأتمنى تطبيق نفس الأسلوب على كل السنوات. ولو كان الأمر بيدى لتحيزت لميزانية التعليم أكثر، ولأنفقت عليه أكثر مما ينفق حاليًّا على البنية الأساسية، ولرفعت من رواتب المعلمين.
■ نجحنا هذا العام فى تحجيم ظاهرة الغش فى الثانوية العامة باستخدام وسائل تكنولوحية حديثة، وأستطيع أن أؤكد أنه لن ينعم طالب غشاش بما فعله. والبعض حاول تشويه جهدنا وسمعة مصر.. ومثال على ذلك ما ضبطناه من محاولة تسريب أحد الامتحانات من سيارة خاصة. ولدينا معلومات وتفاصيل خطيرة بهذا الشأن.
■ وأنا من جانبى أتمنى أن تكون نتائج التقييم التى أشرت إليها خاصة بالسنة السابقة للتطوير بالفعل، وأتمنى أن تكون النتائج الحديثة أفضل، ولكن علينا أن نستوعب جيدًا ما يحدث فى الأسفل، بعيدًا عن مكتب الوزير وديوان الوزارة والتقييمات الشاملة والممولة من منظمات دولية. أقصد أنه من المهم التفاعل مع ما يجرى فى الفصول الدراسية وفى البيوت.
قلت لمعالى الوزير إنه لابد أن ينتبه للنتائج التى صرح بها حول نسبة النجاح فى الصف الرابع الابتدائى وبأنها وصلت ٩٨%. هى غير دقيقة أيضًا. لأنه كانت هناك شبه تعليمات بحل أسئلة الامتحان على سبورة الفصل. هناك وسائل عديدة لقياس مستوى التفاعل بين التلاميذ والمعلمين، والمناهج الحديثة. لسنا ضد التطوير، لكننا مع تهيئة الأرضية المناسبة لذلك.
ويبقى فى هذا المكان جزء مهم للإشادة بالتطور الحادث من وزارتى التعليم والداخلية للتعامل مع ظاهرة الغش فى الثانوية العامة. أصبحت الوزارتان على قدم المساواة تقنيًّا مع صفحات التسريب والغش. لعبتا معها بنفس الوسائل الحديثة، فنجحتا فى تحييدها إلى حد بعيد.
■ عالم «السناتر»
.. من خلال احتكاكى المباشر بسناتر الدروس الخصوصية وأصحابها، والذين دفعت لها مبالغ ضخمة خلال السنوات الماضية، وصلت لعدة نتائج مهمة حول آليات عملها وإدارتها. من الصعب ذكرها كاملة هنا فى هذه المساحة. أتمنى أن ينجح عدد من الزملاء الشباب المهتمين بالموضوعات الصحفية العميقة أن يدخلوها وينتجوا عدة تحقيقات تبتعد عن لغة الإثارة، من عينة دخل المعلم فى الحصة أو الشهر، والبودى جارد من حول المشاهير فيهم، أو أسلوبهم الاستعراضى، أو تقديم حصص المراجعات فى استاد رياضى أو قاعة سينما. هذه أفكار باتت مستهلكة ومكررة.
ما أقصده هنا أنه فى غياب المدرسة، وإغلاق فصول الصف الثالث الثانوى، ومعظم فصول الصف الثالث الإعدادى، تحولت السناتر الشهيرة إلى مؤسسات تعليمية ضخمة بإدارة حديثة. المتميز منها لا يقبل إلا المتفوقين. تجرى اختبارات دورية للطلاب. تتفاعل مع أولياء الأمور فى جروبات خاصة، المدرس أو معاونوه متاحون طوال اليوم للمساعدة فى حل أى جزئية صعبة قد تواجه الطالب وهو يراجع أو يجهز واجباته.
بعض السناتر تنظم مسابقات وامتحانات دورية وتكرم المتفوقين وتمنحهم مكافآت مادية بالدولار أو الجنيه.
الملحوظة الأكثر أهمية هنا، وقد أحببت أن أركز عليها فى إطار تعقيبى على ما ذكره الوزير أن الغالبية العظمى من معلمى السناتر فى المواد العلمية، هم من خريجى كليات الهندسة، وحاسبات ومعلومات، والعلوم، والطب. نادرًا ما تجد فيهم واحدًا من خريجى كليات التربية. تراجعت حظوظ خريجى الكليات مع المدارس والسناتر، وانعكس الأمر على أوضاعهم فى كل الميادين. حتى إن حصصنا تراجعت مع طلبات بعض الدول العربية التى تحتاج إلى معلمين. نادرًا ما أعثر على إعلان بهذا الشأن فى الصحافة أوعلى المواقع، أوعلى السوشيال ميديا.
■ حكايات الفقى︎
أحرص على قراءة الكتب والمقالات الهادئة الناعمة المكتوبة بهدوء وبعمق. تعجبنى الحكايات والقصص التاريخية ودروسها. ارتبطت وجدانيًّا، أو بالمعرفة المباشرة، مع مشاهير الكتاب الحكائين مثل أنيس منصور وجمال بدوى ومحمود السعدنى وعباس الطرابيلى وصلاح عيسى ومحمد سلماوى وصلاح منتصر ومحمد العزبى ومصطفى الفقى. الأخير لديه ميزة خاصة عن سابقيه جميعًا، رغم عظمتهم وإنتاجهم الثرى، فهو مارس السياسة وانغمس فيها.
عمل دبلوماسيًّا بعدة عواصم ممثلًا لمصر. وظل سنوات طويلة إلى جوار رئيس الجمهورية خلال سنوات ساخنة جدًّا، مليئة بالقصص والأبطال والأسرار، لذلك فلديه فيض دائم فى ذاكرته عن الأصدقاء والزملاء والسياسيين الذين اقترب منهم أو تعامل معهم. وأنا أعتبر مقاله فى الصفحة الأخيرة بـ«المصرى اليوم» من أفضل مقالات الصحيفة. هو واحة خضراء مثمرة دائمًا بعيدًا عن ضوضاء السياسة وأزمات الواقع.
ولقد أثرى الدكتور الفقى مكتبة الإسكندرية خلال السنوات التى قضاها مديرًا للمكتبة. ومن يحاول أن يقارن بين ما قدمه الفقى مع ما قدمه سابقه الدكتور إسماعيل سراج الدين، شفاه الله، هو إما أن يكون مغرضًا وإما واهمًا. الظروف وهامش الحرية والحركة كانت مختلفة أمام الرمزين. وأشهد أنهما أجادا على قدر المتاح. وأتمنى ألا تتراجع المكتبة، أو تتوغل فى المحلية، وتفقد شخصيتها ومكانتها الدولية مع المدير الجديد الدكتور أحمد زايد.
والدكتور الفقى فوق كل ذلك مفكر عميق. عقله منتبه دائمًا. لديه قدرة رهيبة على ربط الجزئيات ونسجها بأسلوب محكم، مستغلًا دروس التاريخ وتجاربه، وفهمه الشخصى لقواعد العمل السياسى والواقع المجتمعى، ليبدع فى رسم تصور مستقبلى رائع.
حين كتبت حلقات أسطورة القصر والصحراء، عن مسيرة أحمد حسنين باشا ورحلاته فى الصحراء الغربية وليبيا والسودان، وعمله فى القصر الملكى، وقصصه مع الملك فاروق وأمه نازلى، ومغامراته الأخرى، طلبت منه أن يكتب مقدمة للحلقات، حين فكرنا فى تحويلها إلى كتاب. وقد كتب بالفعل مقدمة بديعة منطلقًا من حبه لحسنين الذى عمل لسنوات فى وظيفة قريبة مما كان يقوم بها الفقى، ولكن فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى. فى العام التالى كتبت عن عزيز باشا المصرى فى نفس المكان وبنفس الطريقة تقريبًا.
وتمر ثلاثة أعوام، وكنا فى زيارة إلى لندن، ونشارك فى ندوة بالمركز الثقافى المصرى بحضور ثرى لرموز الجالية المصرية وعدد من الشخصيات العامة، وفى وسط الندوة قال «الفقى» وبصوت واضح جدًّا أنصت له الجميع: يا محمد هذا المكان أهتم بتفاصيله جيدًا. هنا عاش فاروق وهو وطفل لعدة أشهر، وكان إلى جواره معلماه، أحمد حسنين باشا وعزيز المصرى، اللذان كتبت عنهما.
الرجل متواضع ومجامل ويركز فى التفاصيل، التى قد لا ينتبه لها أحد.
أدعو له بالصحة والعافية وبدوام التألق، وأن يمتعنا بفكره وحكاياته الممتعة والمفيدة.