■ الغاز والقمح
عندما يكون لدينا منتج أو سلعة استراتيجية، فإن مصالحنا الكبرى سيتم التعاطى معها كما نريد.. أو أقرب لما نريد.
لاحظنا الهجوم القوى من الولايات المتحدة الأمريكية، رئيسًا وبرلمانًا وإعلامًا ومنظمات مدنية، تجاه بعض الممارسات الأخيرة.. وبسبب تداعيات الغزو الروسى لأوكرانيا وتأثيره المباشر على أسعار البترول، حيث وصل سعر البرميل لمستويات غير مسبوقة، نزل الرئيس بايدن من عليائه ورضخ للغة المصالح، وقرر زيارة السعودية منتصف الشهر المقبل.. بل إنه سيعقد هناك قمة تجمعه بعدد من زعماء عدة دول عربية، ضمنها مصر.
لا أقول إن لدينا منتجًا مصريًا استراتيجيًا بحجم البترول السعودى. المملكة على رأس مصدرى النفط فى العالم، لكننا نتمتع ببعض المزايا النسبية فى بعض الملفات الحيوية، وبخاصة فى مجالى إنتاج وتسييل الغاز.
لكن لنعترف بأن هناك تخطيطًا مهمًا من القيادة العليا والحكومة المصرية فيما يتعلق بالاتفاقات التى وقعتها رئيسة المفوضية الأوروبية أوروسولا فون فى القاهرة الأربعاء الماضى بشأن صادرات الغاز المصرى، وتسييل الغاز الإسرائيلى فى مصر وتصديره لأوروبا. وهى سياسات تمارسها أوروبا فى محاولة لتعويض الغاز الروسى، الذى اتخذت غالبية دول القارة قرارًا بمقاطعته.
︎ ويوم الثلاثاء الماضى، أكد سفراء دول مجموعة السبع الصناعية فى القاهرة مساندتهم لمصر فى مواجهة أزمة الحبوب التى تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية. وأشاروا فى بيان صدر عن سفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى إلى أن سعر القمح وصل فى الأسواق العالمية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، فقد ارتفع بمقدار ١٦٠% عن سعره قبل الأزمة.
رئيسة المفوضية الأوروبية أكدت فى مؤتمرها الصحفى مع الرئيس السيسى نفس التوجه بدعم مصر فى تخزين الحبوب، والقيام بدعم عاجل فى هذا الصدد للتخفيف من تداعيات وقف شحنات القمح الروسية والأوكرانية لمصر.
صادرات مصر من الغاز قفزت لأرقام غير مسبوقة خلال الشهور الماضية. لدينا حاليًا إدارة جيدة واقتصادية لملف الغاز مقارنة بالعشوائية التى حدثت أيام مبارك.
بل إننا نستخدمه فى صفقات اقتصادية وسياسية مع أوروبا، عنوانها الرئيسى «تحقيق مصالحنا».. هذه الاتفاقات تمضى بنا فى اتجاه إعادة المتانة والدفء لعلاقات شهدت برودًا فى الفترة الماضية.
■ الدعاية والحقائق
هناك حكاية شهيرة فى الوسط الصحفى عن المانشيتات الوهمية للاكتشافات البترولية فى نهاية عهد عبدالناصر.. أى أن الدعاية والأخبار غير الدقيقة لم تكن فى ميدانى السياسة والمواجهات مع إسرائيل فقط، بل وصلت للبترول أيضًا. وقد قرأت عن هذه المانشيتات بالتفصيل فى مقالات الكاتب الراحل أنيس منصور. وكنت أتصور لفترة أنها ضمن مبالغاته ضد الرئيس عبدالناصر وإعلامه، وترضيةً وتقربًا للرئيس السادات.
وقد أفاض منصور فى هذا الأمر فى أكثر من كتاب.. لكننى بعد فترة قرأت لعدد من الزملاء تقارير صحفية خفيفة عن هذه المانشيتات، بل إن بعضهم قد نشر صورًا ضوئية لها مع تقريره. يؤكد بعضها «أن مصر تعوم على بحار من البترول، وأن هناك اكتشافات بترولية فى الصحراء المصرية ستجعلنا أغنى من ليبيا ودول الخليج»!.
والحقيقة أنه تم اكتشاف البترول فعليا فى الصحراء الغربية، والشرقية أيضًا، بكميات معقولة، لكننا بالكاد نكفى إنتاجنا المحلى، بل فى سنوات عديدة قمنا باستيراد البترول من الخارج.
تذكرت هذه الحكاية بسبب موقفين رصدتهما الأيام الماضية: الأول هو حجم المبالغة والإلحاح والتكرار فى الصحف والمواقع والفضائيات على تزايد حجم إنتاجنا المحلى من القمح، وارتفاع نسب التوريد قياسًا بالأعوام الماضية. والحقيقة أن إنتاجنا مع زيادته هذه لن يصل لنصف استهلاكنا السنوى، وأن مصر هى أكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم، والزيادة فى نسب التوريد تقف وراءها سياسات حازمة بشأن تجريم المتاجرة والنقل للقمح بين المحافظات، وإلزام المزارعين بتوريد ١٢ إردبا عن كل فدان للحكومة وإحالة الممتنعين للنيابة.
أما الموقف الآخر الذى دعانى لسرد هذه الحكاية، فهو دعوة الرئيس لبعض الزملاء من الكتاب والصحفيين والإعلاميين إلى أن ينقلوا للناس الحقيقة دون تشويه أو مبالغة.
إننى لمست مبالغات رسمية وإعلامية فيما يتعلق بإنتاج وتوريد القمح هذا العام.. ورأيت من واجبى أن أسجل هذه الملحوظة العابرة.
■ هوامش الحوار
أنا حريص على قراءة أو مشاهدة كل ما يتضمن فكرة جريئة أو جديدة عن الحوار الوطنى. قلت قبل ذلك، إن إتاحة وسائل الإعلام الفرصة للرموز السياسية والإكاديمية والحقوقية للإدلاء بآرائهم عبر المنصات المتاحة هى أمر جيد للغاية، ويكاد يكون أهم من جلسات الحوار ذاتها.
وأشهد أن صحيفتنا «المصرى اليوم»، على رأس الهرم الإعلامى فى هذا الميدان، حيث فتحت صفحاتها وموقعها للمقالات والحوارات والتقارير الإخبارية للرموز السياسية والحزبية من كافة الاتجاهات للإدلاء برؤيتها حول ما تريده للحوار الوطنى.
لكن عندى عدة ملاحظات عامة، بدأت أجمعها عما يجرى على الساحة حاليًا. أهمها هو تكرار الوجوه التى تتحدث بنفس الأفكار فى عدة منصات.. وكأن المطلوب منها أن تملأ الساحة بحيث لا تترك مساحة للآخرين. الملاحظة الثانية متعلقة بعدم الإتاحة لرموز فضّلت الصمت لسنوات، رغم أن لديها ما هو أفضل من الذين يشغلون الساحات ليل نهار. الملاحظة الثالثة متعلقة بأهمية تشجيع شباب الجامعات على المشاركة فى الحوار. السوابق تؤكد أن شباب الجامعة هم الركيزة الأساسية للاستقرار والأفكار الوطنية.
أما الملاحظة الأخيرة فتتعلق بضرورة الالتزام بالحيادية، واختيار أمانة عامة تتميز بالكفاءة والنزاهة. وقد قرأت هذا المطلب فى عدة بيانات لأحزاب وتجمعات سياسية الأسبوع الماضى وأتمنى تحقيقه، فهو مطلب عادل.