بقلم - محمد السيد صالح
كالعادة، تكون هناك نوايا طيبة من بعض المسؤولين الكبار، فيحاولون إصلاح أخطاء كبرى وقعت فيها الدولة. أخطاء تتعلق بالحريات ومخالفة الدستور والأعراف الدولية، يضعون خططا للإصلاح.. لكن كعادتنا فى السنوات الأخيرة يظهر من يعبث فى الصياغة النهائية، فتظهر القوانين والقرارات معيبة، بل أسوأ من قبل. لا يدرك هؤلاء جيدا أنه لا سيادة وطنية بشكلها التقليدى فى قضايا الحريات وحقوق الإنسان. وقّعنا على اتفاقيات أممية ملزمة بهذا الشأن. ترتيبنا فى كل التقارير فى ذيل القائمة. ما يحدث فى المنطقة، خاصة مع السعودية، يؤكد أنه لا «عزيز» لدى الغرب، خاصة الولايات المتحدة، إذا ارتُكبت أخطاء كبرى. وقانا الله من شر هذه الأخطاء، ومن شر أصحاب هذه الأفكار. ومن باب النصيحة وحبى لاستقرار بلدى أرصد ثلاثة أخطاء، ليست بالهينة، مُورست فى الأيام الماضية، وهى قادرة على إبقاء ترتيبنا فى ذيل قوائم التقارير الدولية:
1- لجنة حقوق الإنسان
ما هو سقف طموحنا من لجنة ستخاطب العالم للإجابة عن كل الأسئلة الصعبة بشأن الحريات والمسجونين السياسيين والأحزاب والمجتمع المدنى، وسقفها لا يسمح بمشاركة محمد فائق، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، فى عضويتها.
نعم.. «اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان» لا تضم فى عضويتها رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان!. «فائق» شخصية توافقية، له ثوابته القومية، لاقى التقدير والاحترام من كل الزعماء الذين عمل معهم، ابتداء من الرئيس جمال عبدالناصر، الذى قدم له الكثير من النجاحات فى أفريقيا، ومع حركات التحرر الوطنى بالتحديد، وحتى الآن. باستثناء علاقة السادات المضطربة به وبأصدقائه وزملائه الذين شملتهم الإقالة والمحاكمة. أعتقد أن الرئيس السيسى يقدّره ويجلّه. لماذا انقلبت الدنيا الآن على الرجل؟ هل تقارير المجلس الأخيرة أغضبت أجهزة بعينها؟ هل تصريحات الرجل وحواراته وما تضمنته من آراء مستقلة وحرة عن المحبوسين احتياطيا ومطالبته بحل هذا الملف هى السبب؟ هل هناك بقايا أصوات ثورية من تيار يناير مازالت موجودة بالمجلس وآن لها الخروج مع فائق فى أقرب فرصة؟ لقد علمت مصادفة أنه تم عرض منصبه على شخصية قانونية بارزة لها احترام محلى ودولى، لكنه اعتذر!.
لقد لاحظت، أنا وغيرى، بالطبع، أن منظمات المجتمع المدنى غائبة فعليا عن التشكيل. مع كل الاحترام لباقى الأعضاء من الوزراء وكبار المسؤولين وممثلى المنظمات الإنسانية المصرية. الأمر أشبه بغياب أصحاب قضية عن جلسات محاكمتهم، أو أن يذهب أطباء فى تخصص الأورام- على سبيل المثال- لحضور مؤتمرهم المنتظر، فيجدون على المنصة أطباء عظام أو أمراض نساء وتوليد أو باطنة!. الأمر لا يستقيم هكذا. إذا كنا جادين فى تنفيذ توجيهات رئاسية لتحسين سمعتنا دوليا، فعلينا تحسين علاقاتنا بمنظمات المجتمع المدنى فى الداخل والخارج، ولا نستسهل تخوين الجميع بدون دلائل فساد أو عمالة. المنظمات الكبرى عندنا كانت تعمل فى شراكات مع الهيئات والمنظمات الدولية، التى ترصد سلوك الدولة الرسمية وفى مجالات حقوق الإنسان. لقد سمعت أكثر من مرة من الزميل والصديق وائل على، مسؤول ملف المجتمع المدنى فى «المصرى اليوم»، منذ تأسيسه حتى الآن، كيف كان يتعامل الدكتور مفيد شهاب، ممثلا عن الحكومة المصرية فى الجلسات الدورية للجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فى جنيف، وكيف كان يقلب هذه الملاحظات السلبية إلى تقارير إيجابية فى النهاية بعد مناقشة كل الملاحظات. أتذكر أننى قلت هذه المعلومات للدكتور شهاب من فترة قصيرة، فقال لى: بل كنت أحصل على تصفيق حاد منهم فى نهاية كلمتى فى كل دورة.. لم أكن أخدعهم، بل كنت أتحدث بواقعية عن أداء الحكومة فى مجال حقوق الإنسان، وأوقفهم على ملاحظاتهم، ثم أطلب مهلة للتصحيح. ومع عودتى للقاهرة، أشكل لجنة للرد، تضم فى عضويتها ممثلين عن المنظمات التى أقرت هذه التجاوزات، فى نفس الوقت كنت أطلب من الحكومة والرئاسة إصلاحات بعينها، فى السجون وبشأن أداء المنظمات وغيرهما. انتهت كلمات شهاب. لم تكن الصورة وردية فى زمن مبارك، بل إن ثورة يناير اندلعت بسبب تواتر حالات التعذيب وزيادة أعداد المعتقلين، لكن كان هناك قدر معقول من الهواء النقى فى الأجواء.. وكان لدى النظام مجموعة من المحترفين القادرين على التعامل مع العالم.
2- قانون الجمعيات
نشرت «المصرى اليوم» منتصف الأسبوع الماضى فى زاوية «خبر غير صحيح» أن وزيرة التضامن وجهت الدعوة لعدد من ممثلى «الجمعيات» للمشاركة فى صياغة القانون الجديد. ابتسمت كما لم أبتسم منذ فترة طويلة. فالدعوة- التى لم ولن تحدث- هى عين الصواب. وأعتقد أن الوزيرة المثقفة والنشيطة غادة والى تؤمن بذلك وتتمنى حدوثه، لكن ربما الأمر ليس بيدها تماما. ولكى لا يحدث فى المشروع الجديد مثلما حدث مع القانون المعيب الذى أقره مجلس النواب ورفض رئيس الجمهورية التصديق عليه.. أعلم أن الوزيرة لديها مشروع متكامل ومنقح، بل تمت مراجعته فى مجلس الدولة قبل ثلاثة أعوام تقريبا، وبدلا من أن يتم إرساله من قبل مجلس الوزراء للبرلمان لمناقشته وتعديله ثم إقراره، فوجئ الجميع بمشروع آخر مقدم من النائب عبدالهادى القصبى، مع تجميد مشروع الوزيرة، بل يتم إقرار قانون القصبى بعيوبه التى نبه إليها عدد من الوزراء والسفراء العاملين بسفارات مصر بالخارج. قانون لا يراقب العمل الأهلى والخيرى ومنظمات المجتمع المدنى فقط، لكن يجهضها تماما. فى ظله، ضغطت دول غربية للحصول على امتيازات واستثناءات خارج القانون لجمعياتها ومنظماتها، أو لإخراج موظفين فيها من أزمات وقعوا فيها. أتمنى كل الخير لوزيرة التضامن فى إقرار قانون طبيعى للجمعيات، لا أقول قانوناً مثالياً فى ظل إدراكى لحالة التربص الحادثة حاليا بجميع العاملين فى العمل الأهلى، وكأنهم عملاء وجواسيس فعليون. كثير من المشروعات الخيرية الكبرى، خاصة المستشفيات وبيوت الإيواء والتعامل مع الفقر والكوارث تمت فى مصر بواسطة الجمعيات الخيرية. لا تغلقوا هذا المجال أو تعطلوا هذا العطاء.
3- جزاءات الإعلام
أتمنى أن تكون لائحة الجزاءات التى أقرتها لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ونشرها الزميل مينا غالى، غير نهائية أو سيتم العدول عنها، أو يفتى مستشارو مجلس الدولة بأنها غير دستورية وفارغة الدلالات ومستحيلة التنفيذ، أو أن من صاغوها لا يمكن أبدا أن يكونوا شيوخا للمهنة من الصحفيين والإعلاميين المخضرمين. لا أريد الخوض كثيرا فى البنود الثلاثين، ولكنى أعلم أن نقابة الصحفيين تحركت وتلقت معلومات بأن الموضوع سيتم التراجع عنه، وأن هناك نية لعقد ندوة موسعة لشيوخ المهنة لتفنيد هذه البنود التى ستقضى على الأنفاس المتبقية لإعلامنا. ارتبطت طويلا بما قدمه الأستاذ مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس، سواء ككاتب صحفى أو كنقابى. من القلائل الذين قدموا المقال الصحفى، خاصة فى فترة توليه رئاسة تحرير «المصور»، غنيا بالمعلومات والأسرار والتسريبات. مقال «صحفى دولة» بالمفهوم الإيجابى. لا يوجد من يقوم بهذا الدور الآن. كتبت من قبل عن موقفه المشرف برفضه استهداف السادات للصحفيين ضمن أحداث سبتمبر 81 الشهيرة. أتذكر كيف اصطحب زميلنا وصديقى أبوالسعود محمد لإحداث صلح بينه وبين وزير التعليم العالى. كان هو نقيبا للصحفيين وأبوالسعود هو المسؤول عن ملف التعليم العالى، وبسبب خبر بعينه منعه الوزير هانى هلال من دخول الوزارة. ذهب النقيب لمكتب الوزير، وبعد مناقشة قصيرة مع هلال، لم يعجب الأستاذ مكرم بمنطق الوزير وموقفه من الصحافة والصحفيين، فخرج غاضبا من المكتب منتصرا للمهنة ولزميل صحفى.
أرجو أن يعود الأستاذ مكرم إلى نفسه. إلى سجله الخاص. إلى ذاكرته. إلى مستشارين وطنيين وأوفياء.
أستاذى: ليس فى العمر مثل ما قد مضى ولا نصفه أو حتى ثلثه. نحن جميعا ذاهبون وتبقى المواقف!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع