■︎ لجنة العفو
استبشر الرأى العام خيرًا بإعادة الحياة للجنة العفو الرئاسى بتشكيلها الجديد. أنا ضمن هؤلاء المستبشرين. فيها قيادات سياسية مُخضرمة، وأخرى شابة، لهم حضور مشهود على الساحة. تراجعت نسبة الوجوه الحريصة على «الشو الإعلامى فقط».
بالطبع نعلم صعوبة عملهم، ونعرف طبيعة التقاطعات العظيمة جدًا مع جهات تنفيذية وأمنية وسيادية.. لكن طموحنا لجودة أدائها هذه المرة جاءت فى ظروف مختلفة.. هى وليدة مناخ عام أفضل من ذى قبل، مستقر أمنيًا وسياسيًا إلى حد كبير، وأن الرئيس بنفسه هو من سعى لإحيائها.. ثم إن انطلاق عملها جاء مواكبًا مع الدعوة الرئاسية للحوار الوطنى.
لكن عندى مجموعة من الملاحظات عن سير عمل اللجنة خلال الأسابيع الماضية. هناك بطء رهيب فى عملها. يصرح أعضاؤها مرات عديدة، سواء لوسائل الإعلام أو فى بيانات على صفحاتهم الشخصية، عن خروج عدد من المحبوسين قريبًا. ونكتشف أن العدد لا يتجاوز خمسة أو ستة أشخاص. ننشغل بذلك ونشكر اللجنة وأعضاءها على جهدهم. يذهب أصدقاء المفرج عنهم لاستقبالهم، وقد يكون ضمن المستقبلين أعضاء فى اللجنة، ثم تهدأ الأفراح بالتدريج.
طموحنا حول لجنة العفو الرئاسى أكبر من ذلك بكثير. أكبر من خروج عدد محدود جدًا من الأشخاص كل شهر. هذا الملف مُتخم جدًا. ولجنة العفو الرئاسى مع جهود النائب العام بهذا الصدد قادرة على تغيير هذه الصورة بشكل مناسب.
لقد قرأت أكثر من مرة لقيادات مجلس حقوق الإنسان، أن لديهم سجلات دقيقة وموثقة عن جميع المحبوسين والمسجونين سياسيا، خاصة الذين لم تتم إدانتهم فى أعمال عنف ولم يرفعوا سلاحًا فى وجه أحد، ولم يتعاونوا فعليًا مع أطراف محظورة. ليت المجلس، الذى غاب عن الساحة مؤخرًا وعن هذا الملف بالتحديد، يدخل على الخط من جديد. ليت رئيسته السفيرة مشيرة خطاب تنجح فى إقناع القيادات العليا بأهمية حدوث اختراق حقيقى فى هذا الملف.
ومن بين الأسباب التى أعجبتنى فى التشكيل الأخير لهذه اللجنة اختيار الوزير الأسبق كمال أبوعيطة عضوًا فيها.. فهو جرىء وعاقل جدًا، وقريب من الشارع، ومن العمال والنقابات والأحزاب، هو مهتم أكثر بالأشخاص غير المعروفين للرأى العام، الذين لم ينتموا للأحزاب ولم تظهر صورهم فى الصحف والمواقع، أو كما يسميهم هو «الغلابة الذين هم فى السجون ولا أحد يسأل عنهم». ما أكثر هؤلاء!. قد يكونون شاركوا فى مظاهرات هنا وهناك. تحمسوا لدعوات. كتبوا كلاما قويًا على صفحاتهم. هؤلاء، أعتقد أنهم نسبة غالبة فى هذا الملف. وتسوية أوضاعهم أسهل بكثير من ملفات المشهورين الذين تمت محاكمتهم فى قضايا كبرى.
كل التوفيق للجنة العفو الرئاسى. نتمنى لهم إنجازًا سريعًا ليغلق هذا الملف بشكل لائق وعاجل.
■︎ عيادات نفسية
الدكتور أحمد عكاشة لديه قناعة مهمة جدًا، أنه رغم كل الحوادث المتعاقبة والمتهمون فيها لديهم أعراض بأمراض نفسية، فإن النسبة العامة مازالت طبيعية، بل هى أقل بكثير من النسب المسجلة فى الدول الكبرى. هو يرى أن هناك سيولة وعدم دقة فى التعرض لهذه الحوادث.
ولكى أكتب شيئًا مفيدًا فى هذا المجال، ولكى لا أُدمغ بعدم الدقة، فإننى فضّلت أن أكتب شيئًا عامًّا حول هذه القضايا، وآخرها وأخطرها قضية سيدة الدقهلية التى قتلت أولادها الثلاثة ثم حاولت الانتحار. وإننى أركز هنا على ضرورة الاهتمام بالمرض النفسى وخطورته. الاكتئاب الحاد يقتل أكثر من السرطان وأمراض القلب. سيدة الدقهلية بالطبع عانت مرضًا نفسيا أو عقليًا حادًا، ولم يشعر بها أحد. من الممكن أنها كانت مريضة اكتئاب سوداوى حاد، كانت له أعراض اكتئابية وجدانية، ولم يلحظها أى من عائلتها البسيطة. وقد تكون أصيبت أيضًا بذهان الولادة والرضاعة.
مصر بها مليون و٤٠٠ ألف مواطن يعانون من أعراض الاكتئاب بصوره المختلفة. وهذا الرقم أنسبه للدكتور عكاشة. الخطورة موجودة عند المصابين بالاكتئاب الحاد، الذين لا يتلقون أى علاج.
والشىء الأهم فى هذا المجال أن الاكتئاب فى الريف بات أكثر من المدن. هناك تغيرات عديدة حدثت فى السنوات الأخيرة. انتقلت مظاهر الحداثة والمدنية إلى الريف ومعها الاكتئاب وباقى الأمراض النفسية.
لدينا إعراض عام عن الاعتراف بالمرض النفسى. أطباؤه عددهم محدود جدًا، قياسًا ببقية الفروع الطبية.
فى قريتى على سبيل المثال، والتى هى فى ظروف شبيهة بالقرية التى كانت تعيش فيها السيدة التى قتلت أولادها، لدينا عشرات العيادات لأطباء فى جميع التخصصات الطبية إلا فى المرض النفسى.
من المستحيل أن تجد عيادة لطبيب نفسى فى قرية أو مدينة صغيرة. رغم أننا لو دققنا النظر فى عائلاتنا وأصدقائنا أو معارفنا، سنعثر وبسهولة على أشخاص لديهم أعراض مرض نفسى، قد تكون بسيطة لو تم التعامل معها فى مهدها.
لقد تقدمت أدوية العلاج النفسى كثيرًا. المتخصصون يؤكدون أنها بدون آثار جانبية تقريبًا. وأن التدخل المبكر للعلاج مهم جدًا.. لكننا مازلنا نعتمد الصورة الذهنية العتيقة والمتخلفة فى التعامل مع المريض النفسى.
لابد من إزالة الوصمة للمرض النفسى، ولابد من تشجيع نشر عيادات الطب النفسى فى كل مكان.
■︎ سيكولوجية التعاطف
.. متعاطف مع الوزيرة نبيلة مكرم بوصفها أمًّا لابن فى محنة عظيمة. ومؤيد لاستمرارها فى عملها رغم ظروف المحاكمة القريبة فى كاليفورنيا واتهام الابن بقضية قتل مزدوجة. وأعجبنى التحقيق الشامل الذى نشرته الزميلة «ديانا الضبع» على صفحتها الشخصية، وتحدثت عنه فى قناة «الحرة» حول المفاضلة بين بقاء الوزيرة فى منصبها أو استقالتها، قياسا على مصائر سياسيين فى عدة دول عاشوا ظروفًا مشابهة.
وفى هذا الإطار، أقلقتنى حالة الشماتة والترصد التى ظهرت فى كتابات هنا وهناك ضد الوزيرة وعائلتها. أفهم الدوافع المسبقة وراء بعض المواقف، لكن هناك كتابات أظهرت أن أصحابها يعانون مرضًا نفسيًا. فى نفس الوقت عثرت على هذه المقالة ووجدت فيها ضالتى، فهى قريبة من فكرتى. وهى للباحثة «سالى نبيل»، ومنشورة على صفحتها الشخصية. «سالى» إخصائى فى التربية الخاصة، عضو رابطة الإخصائيين النفسيين المصرية. وسأنقل هنا مما كتبته تحت عنوان «سيكولوجية التعاطف» بتصرف، لضيق المساحة:
«مع بداية الحرب على أوكرانيا وانقسام الناس ما بين شامت وحزين.. قرأت بوست يقول كاتبه إنه عندما تنزل نازلة بغير المسلمين، المفروض أنى أكون سعيدًا، ولا أدعو الله ليرفع عنهم البأس.. المقولة منسوبة لابن عثيمين.. وعندما أبديت اعتراضى، تم التشكيك فى عقيدتى، بكل بساطة.
بعدها ومع مقتل الإعلامية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، تم الاعتراض على الصلاة عليها، صلاة إسلامية، (لأن هذا منهى عنه)، مع العلم أن الكذب والغيبة والنميمة والخيانة وكل الموبقات منهى عنها ونمارسها بشكل طبيعى!..
عشرات الوقائع يوميًا يتم الانقسام عليها، لكن السمة الأكثر وضوحًا هى عدم التعاطف. والغريب أن التعاطف سمة تختلف عن غيرها. لو بحثت عن مضاد الإنسانية فى المعاجم، ستجد أنها الحيوانية أو البهيمية.. لكن لو وضعت التعاطف على المحك، سيختلف الوضع.. لأنه فى هذه الحالة ستجد الحيوان لديه القدرة فى كثير من الأحيان على التعاطف. الأدق أن يكون مضاد الإنسانية هو الوحشية. ولكن هل كل فاقد للتعاطف وحش؟.. فى الحقيقة لا. و«التعاطف» شعور قوى بالمشاركة الوجدانية مع مشاعر شخص آخر، يتصل ذلك بالأسى أو الضيق، وعادة ما ينطوى على رغبة فى مساعدة هذا الشخص أو العمل على راحته. وطبعًا دور كل الأديان واضح جدًا بهذا الصدد ولا يحتاج لأدلة أو براهين.
أما «وهن التعاطف» فهو تعريف يجمع عددًا من الأعراض الانفعالية والجسدية التى يعانى منها ضحايا الصدمات النفسية، والأشخاص الذين يعانون من أمراض صحية- عقلية أو بدنية- أو غيرهم من ذوى الإعاقة الشديدة أو ممن يمرون بظروف حياتية خطرة.
ولا تقتصر هذه الأعراض على من يمر بهذه الخبرات بشكل مباشر فقط وإنما بذويهم المقربين منهم وعلى اتصال وثيق بهم.. يعنى تقريبًا ٧٠ % من البشر.
.. وماذا عن النسبة الباقية الذين لا يتعاطفون رغم عدم وجود الأسباب السابقة؟!.. هؤلاء يفتقدون، من وجهة نظرى، التربية الإنسانية، وهى تبدأ من المهد.. من الأهل فى الأساس، الذين من المفترض أن تكون لديهم القدرة على التعاطف، والقدرة على ممارسة قواعد التربية السليمة.