بقلم - محمد السيد صالح
هل تستطيع الأجهزة الرقابية والقضائية فتح ملف فساد عقود الغاز الدولية، ولا تكتفى ببيانات صحفية تؤكد مسار التحكيم فى كل قضية خسرناها، وأن النظام الحالى ليس مسؤولاً عن هذه العقود الفاسدة. لنراجع تجارب الدول المحترمة فى هذا المجال، ونحن لسنا أقل شأنًا منهم. لقد قرأت ثلاثة مقالات فى يوم واحد تعليقا على حكم المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولى والمعروف باسم CSID، بتغريم الحكومة المصرية نحو مليارى دولار لصالح إحدى الشركات الإسبانية بسبب تعثر مصر فى توريد الغاز لمصنع كانت تنوى إقامته بالقرب من دمياط فى عهد مبارك.
مقالان من الثلاثة منشوران فى «المصرى اليوم» وهما للدكتور محمد أبوالغار ولـ«نيوتن»، أما الثالث فكتبه الدكتور زياد بهاء الدين فى «الشروق» أفكار المقالات الثلاثة إضافة إلى ما نشره البعض على الفيسبوك من أفكار وخاصة الصديق إبراهيم نوار، الخبير الاقتصادى تصلح لإقامة منتدى حوارى محترم يفيد صانع القرار فى هذا المجال. أعجبنى ما قاله بهاء الدين عن ضرورة مراجعة كل العقود التى أبرمناها مع الشركات والحكومات الأجنبية خلال السنوات الأخيرة. وألا نحمل كل المسؤولية لهيئة قضايا الدولة، فهى تترافع عن قضايا خاسرة. أعجبنى ما قاله أبوالغار عن أن مكتب المحاماة الأمريكى. محامى مصر فى القضية الأخيرة كتب فى دفاعه أن المسؤولين المصريين الذين وقعوا العقد كانوا فاسدين. أما أكثر ما أعجبنى فى مقال «الغرامة» فى عمود «نيوتن» يوم الثلاثاء الماضى، أن قيمة الحكم الصادر ضد مصر «38 مليار جنيه تقريبًا» يماثل فى قيمته، ما تم إنفاقه على الطرق الجديدة التى تم إنشاؤها على طول وعرض مصر فى السنوات الأخيرة. وأنا أزيد على «الثلاثة» بالقول، وماذا عن العقد الآخر الذى خسرناه لصالح الشركات الإسرائيلية وكانت قيمة «الغرامة» ثلاثة مليارات تقريبًا. وماذا عن باقى العقود الفاسدة سواءً فى مجال «الغاز» أو غيره من المجالات. أتذكر أننى التقيت، صدفة وبدون سابق معرفة بـ«وجيه سياج» فى أحد مطاعم منتجع «كان» فى شتاء عام 2009، وكان قد حصل قبلها بأسابيع على حكم نهائى من إحدى غرف التحكيم الدولى بتعويض يقارب المائتى مليون دولار لإلغاء مشروعه السياحى بسيناء. وشرح بالتفصيل كيف تفاوض معه الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية فى ذلك الوقت للوصول إلى تسوية مقبولة. ووافق «سياج» وحصل على نصف المبلغ تقريبًا، مقابل التصالح مع الحكومة المصرية والتنازل عن الدعوى الدولية. وأشاد الرجل بذكاء شهاب وفهمه لطبيعة القضية وأن الحكم فيها نهائى، وأنه وفر للحكومة مبلغًا ضخمًا. لماذا لا تلجأ الحكومة للدكتور مفيد شهاب أو للدكتور على الغتيت ومن هم على شاكلتهما وبخبراتهما.
لماذا لا نطلب منهم دراسة وتقييم كل عقودنا الخارجية. أخشى على ثروات بلدى من تكالب بعض الحكومات الغربية والشركات العملاقة على هذه الثروات. تكبلنا بعقود مُحكمة لا فرار من بنودها. قرأت تصريحًا مهمًا لأحد خبراء التحكيم أن مصر خسرت 76 قضية فى عقود إنشاءات خارجية من إجمالى 78 قضية. كان ذلك فى مجال العقارات. مع الغاز والبترول، الوضع أسوأ بكثير. والآن، ليتنا ننتبه. لدينا ثروات هائلة، فى البحر والبر، وعلينا أن نحافظ عليها. والأهم من ذلك، أن نعرف من «الفاسد» الذى ورطنا فى غرامات بالمليارات. هل هو شخص أم «هيئة» أم حكومة كاملة. وهل كان الأمر، سببه سوء تقدير وقلة خبرة. أنا شخصيًا، كمصرى، وكمستفيد من هذه الثروات أنا وعائلتى وأصدقائى، لن أسامح فى حقى مع الفاسدين الذين ورطونا فى هذه الغرامات الفادحة.. خاصة وأنا أرى ملفات فساد تُفتح، وفاسدين يحصلون على جزائهم العادل بالسجن والغرامة، رغم أن سرقاتهم فى حدود الآلاف وأحيانًا الملايين. أنا لن أسامح المسؤولين عن هذه العقود «المليارية» أبداً!
«الأعياد الثلاثة»
لدينا حكومة لا تستفيد من المناسبات العامة كما ينبغى أو كما تفعل كل الدول المتحضرة. هل رأيتم وزراء السياحة والثقافة والآثار والأوقاف، يشاركون فرادى أو مجتمعين فى أى احتفالات بالعاصمة أو بالصعيد أو فى أى مدينة ساحلية بمناسبة اقتران بداية السنة المصرية الفرعونية والسنة القبطية والسنة الهجرية. كثيرون وأنا منهم- لم يعلموا أن المصرى القديم توصل إلى تقويم فلكى دقيق قبل 6257 عامًا، حين قرن بداية العام بظهور النجم «سيدت» مع شروق الشمس مرة واحدة فى السنة. أنا مغرم بالفلك، لكن عرفت هذه المعلومة للأسف متأخرا جداً. أما السنة القبطية، فارتبطت باضطهاد الإمبراطور الرومانى دقلديانوس للمسيحيين عام 282 ميلادية، ويروى أن مصر فقدت نحو 840 ألف شهيد فى هذه المحنة، لكن المصريين تمسكوا بعقيدتهم المسيحية النقية ولا زال الفلاح المصرى يستخدم الشهور القبطية فى الزراعة حتى اليوم. أما السنة الهجرية فارتبطت بخروج الرسول محمد «صلِ الله عليه وسلم» وصحابته المضطهدين من مكة إلى المدينة المنورة قبل 1440 سنة. الاحتفالات تمت فى المساجد والكنائس.
عدد محدود من الطرق الصوفية احتفلت وسط القاهرة بـ«الهجرة»، لكنها احتفالات وتجمعات أقل بالطبع مما يحدث فى المولد النبوى. فشلنا من أن نجعل من هذا القران النادر عيداً مصريًا، نبهر به العالم. احتفالات بالأقصر والإسكندرية وحول الأهرامات. فى ظلال قلعة صلاح الدين وفى رحاب دير الأنبا سمعان بالمقطم. احتفالات متزامنة، وعلى مدار أسبوع كامل. برنامج متواصل ومحكم يشرح للعالم كيف توصل المصرى القديم، قبل بناء الأهرامات بأكثر من ألفى عام لهذا التقويم الفلكى. يشرح علماؤنا قصة أجدادنا مع الفلك والهندسة والعمارة وصولاً لصنع الحضارة وبناء الأهرامات والمعابد. نقدم فى جزء منها صوراً عن انتشار المسيحية فى ربوع مصر، وكيف استضفنا وحمينا المسيح عليه السلام وأمه لسنوات طويلة، وكيف انتشرت المسيحية فى مصر فيما بعد. نذكر العالم برحلة المسيح فى مصر. دورنا فى تعزيز الإسلام الوسطى قديمًا وحديثًا. عفواً، كلماتى هذه لا فائدة منها، فقد مرت الذكرى بدون أى أجواء احتفالية. للأمانة، تذكرتها الصحافة وقرأت أكثر من موضوع رائع عن المناسبات الثلاث. ذكرتنى الدكتورة سهير السكرى بهذه المناسبة، وأنه ينبغى أن يكون هناك احتفالية كبرى. كان الوقت قد أزف، ووزراؤنا مشغولون بما هو أهم! أنا أثق فى ذكاء وزيرة السياحة، لكن مثل هذه المناسبات هى التى تعظم من دورها ووظيفتها الأساسية وهى الترويج للسياحة. دعاية مجانية، مع دخل مادى إضافى. أنصحها- وباقى الوزراء المسؤولين عن الأنشطة الثقافية، أن يهتموا بمثل هذه الأجندات. حضرت احتفالات وكرنفالات سنوية فى أوروبا وراءها مناسبات بسيطة للغاية. عيد ميلاد شخصية شهيرة. فنان أو أديب أو رياضى أو زعيم سياسى. انتصار قديم على مدينة أو إمارة مجاورة. لدينا كنوز من المناسبات الحقيقية معظمها يصلح لكى نجمع العالم من حولنا. والأمثلة كثيرة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع