بقلم - محمد السيد صالح
كل عام وأنتم بخير، عيد أضحى مبارك على الجميع. فكرت طويلا في أن أكتب شيئًا بعيدا عن السياسة وهمومها، بعيدا عن أزمات الصحافة الحالية. كثيرون من الأصدقاء والزملاء والأهل أشفقوا علىّ بعد ما كتبته الأسبوع الماضى عن إغلاق الفضائيات وتراجع توزيع الصحف والمسؤولية الرسمية عن الوضعين. قلت لهم: كتبته من أرضية وطنية ومهنية، وأنا أعرف القائمين على الأمر، وأنهم وطنيون غيورون على صورة مصر ومستقبلها، مثلنا تمامًا. دعتنى زوجتى لأهتم أكثر بالخدمات المتردية، القمامة التي تملأ الشوارع، التكاتك احتلت شوارع المدن الكبرى والصغرى، وصولا للطرق السريعة، وعلى مرأى من رجال الداخلية وقانون المرور.
نبهتنى عائلتى، وحتى قبل أن أبدأ إجازة العيد، إلى المياه المقطوعة دائمًا في بلدنا المقاطعة التابعة لمركز السنبلاوين، وأنها عندما تأتى على استحياء آخر الليل تكون ضعيفة جداً. أخبرونى نية أهل قرية غزالة الملاصقة لبلدنا، وهى قرية عريقة وغنية بالآثار الفرعونية وآثار ما قبل التاريخ، اتخاذ قرار جماعى بعدم دفع فواتير المياه، ابتداءً من الشهر المقبل. منطقهم أن قيمة الاستهلاك تقدر جزافيًا. المياه مقطوعة وسيتم حسابهم على نسب استهلاك مبالغ فيها، مع ارتفاع أسعار الشرائح بنسب وصلت للضعفين. أراد أهل قريتى تقليد هذا السلوك، لم أتفق مع ما قالوه. انقطاع المياه تواجهه برفع الأمر للمسؤولين. لا أحد يتدخل، هناك ترهل وظيفى في وزارة الإسكان، خاصة في الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى. كانت الشركة ومن فوقها الوزارة أفضل من ذلك بكثير.
ماذا حدث؟ لا أدرى. هل هم مهتمون فقط بالمجتمعات العمرانية الجديدة. هل من الأفضل أن يكون لدينا وزير متفرغ للإسكان والمرافق، وأن يركز الدكتور مصطفى مدبولى في مهام ومسؤوليات رئاسته لمجلس الوزراء فقط، وهى مسؤوليات عظيمة وجسيمة؟!. سمعت أيضًا من الأهالى أنهم التزموا بقرارات الحكومة فيما يتعلق بعدم زراعة الأرز، رغم أن البدائل غير ذات جدوى اقتصادية. لا يزرعون القطن بعد أن تم تدمير المحصول عن عمد قبل سنوات معدودة. هم يعرفون الأزمة مع محدودية حصة مصر من مياه النيل، ويفهمون الدوافع القومية وراء ذلك من مثل هذا القرار، لكن الوضع مع مياه الشرب صار أسوأ مما كان عليه قبل أربعين عامًا.
»التظلمات» والمسؤولية
أضفنا درجات إضافية لحوالى 5500 طالب من أصل 107 آلاف قدموا تظلمات في الدرجات التي حصلوا عليها بامتحان الثانوية العامة. هذا مضمون بيان رسمى لوزارة التربية والتعليم. والمؤكد فيه بالطبع سعى الوزارة إلى تحقيق العدالة في تصحيح أوراق الثانوية العامة. ولكنه يكشف عن أوجه قصور خطيرة في العملية التعليمية، وفى آلية تصحيح امتحانات الثانوية العامة. وزير التعليم العالى والبحث العلمى الدكتور خالد عبدالغفار شرح لنا في لقاء تم قبل أسبوعين ضم عددا من رجال التعليم والبرلمان والصحفيين المتخصصين، بدعوة من الدكتور محمود هاشم عبدالقادر، وكيل مؤسسى الجامعة الأوروبية في العاصمة الإدارية الجديدة، أن هذه الدرجات سببت لهم ربكة غير عادية في التنسيق، لأن معظم الحاصلين على درجات من التظلمات سينسقون في كليات القمة والتى بها تكدس حاليا.
وشرح أن النسبة الطبيعية للتظلمات الصحيحة كانت في حدود 10%، أما أن تصل إلى 50% فهناك شىء خاطئ، وهو مربك لنا. وتحدث الحضور عن أسباب تزايد الأخطاء وأرجعوها إلى السرعة في التصحيح، والإعلان عن موعد محدد لإعلان النتائج. وحسبوا المسافة الزمنية ما بين انتهاء الامتحانات وإعلان النتائج، فوجدوا أنها لا تتعدى عشرة أيام، إضافة إلى غياب الرقابة والمساءلة. وأنا هنا لى اقتراح بسيط يتمثل في تأسيس نظام رقابى للمصححين. فكما يحصلون على بدلات مادية ضخمة لمشاركتهم في التصحيح، تُفرض عقوبات وخصومات على المهملين، تخصم من رواتبهم، أو يُهددون بوضع تقارير سلبية في ملفاتهم الوظيفية. أو يتم حرمانهم من التصحيح في الأعوام التالية. لقد امتد الإهمال والفساد في التعليم إلى كل مراحله، في المدارس والمديريات. الفصول مغلقة، والطلاب في مراكز الدروس الخصوصية، فتدخلوا لإنقاذ نظام الامتحانات.
الفضاء و«المرصد«
بالإضافة إلى مهام عملى الصحفى الذي هو في معظمه متعلق بالأخبار ومصادرها وتحريرها، تعلقت بثلاث هوايات مرتبطة بعشقى للتاريخ، بقصصه ورموزه، وحب الصحارى والواحات، وعشق الفلك والفضاء. ارتبطت برموز رفيعة في هذه المجالات، وتمكنت من صنع أعمال صحفية في هذه الميادين. وبالطبع فإن هؤلاء الرموز الذين صاروا أصدقاء لى ساعدونى كثيراً، كلٌّ في مجاله. وتبقى علاقتى بالدكتور على صادق، مؤسس البرنامج الفضائى المصرى، وكيل أول جهاز المخابرات العامة الأسبق، أيقونة هذه العلاقات. رجل صادق ومخلص لمبادئه ولدوره، وللجهاز الذي عمل به، وشجعه لتأسيس برنامج الفضاء. والكلام يطول في هذه المسألة، خاصة المتعلقة بالدور السلبى الذي لعبه البعض لإجهاض هذا الحلم الفضائى، نهاية عصر مبارك.
الذي يهمنى هنا هو الإشارة إلى عودة الروح للبرنامج، ليس فقط بظهور قانون الفضاء، بل باعتماد اللائحة التنفيذية له من خلال لجنة شكلها الوزير وترأسها الدكتور على صادق. هناك علاقات احترام وتقدير من صادق للوزير عبدالغفار، يقول: «هو أياديه بيضاء على المشروع، لم يقدم أحد من المسؤولين كل هذا الدعم لـ(الفضاء) منذ الخمسينيات من القرن الماضى أكثر من عبدالغفار». والحق أقول إن الوزير النشيط مدعوم بشكل أساسى في هذه المجالات البحثية والعلمية المرتبطة بالفضاء والفلك وبراءات الاختراع من المؤسسات السيادية، وعلى رأسها بالطبع مؤسسة الرئاسة.
بقى فقط القول إنه لم يتم الاستقرار حتى الآن على موقع بديل للمرصد الجديد العملاق، بعد أن زحفت العاصمة الإدارية على مرصد القطامية الكبير. سألت الوزير عن «سانت كاترين» وهل استقر الأمر على بنائه هناك، فقال إن نسبة الإضاءة بها مرتفعة، ونفاضل بين أكثر من مكان في وسط وجنوب سيناء.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع