انتقادات إيجابية
تشغلنى كثيراً مجموعة من الأسئلة البسيطة المرتبطة بشركاء 30 يونيو، من انقلب منهم على حماسته القديمة لهذه الثورة، من تحول للصمت، من تجاهلته القوة الجارفة، من دخل الحبس بسبب دعاوى قضائية أو خلافات سياسية.
تحمست لهذه الأسئلة فى الذكرى الأولى والثانية لهذه الثورة التصحيحية، لكن بعد ذلك خفت أنا وغيرى أن نعيد الكرة لنسأل نفس السؤال. وذلك لزيادة الفئات التى أشرت إليها، ولخطورة صياغة إجابات صادقة ودقيقة فى ظل الضغوط الموجودة فى المجال العام.
أنا أعتبر نفسى منتميًا لفكرة هذه الثورة، خاصة أنها انطلقت لمواجهة الفوضى الحادثة حينئذ فى المجتمع وفى قمة الهرم السياسى والتى تسبب فيها «الإخوان» وشركاؤهم والقوى الرافضة لوجود رئيس إسلامى إخوانى.
لكننى أتساءل اليوم: هل أردنا دولة بهذه المواصفات الموجودة حاليًا؟.
كان عبدالناصر عسكريًا أيضًا، لكنه عندما تهيأت له الظروف وحكم مصر، اختار مستشارين مؤهلين، صاغوا له نظرية اقتصادية واجتماعية وسياسية مقنعة. لم تكن الأمور مثالية، وتم إسقاط شركاء ثورته أيضًا، لكن كانت هناك حشود الجماهير والمثقفين والإعلاميين فى ظهره. المدارس والجامعات تدرس معالم برنامجه السياسى لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات. صدرنا هذه الفكرة للعالم العربى ولأفريقيا ولجميع حركات التحرر.
مرة ثانية، أقول، إنه لم يكن فكراً مثاليًا للغاية، لكن كانت هناك رؤية شاملة.
الان ما هو طريقنا، ما هى نظريتنا فى الحكم.
لقد أفزعنى ما توقعه أستاذ بارز للاقتصاد فى مقال منشور الأسبوع الماضى، عن أن زيادة الأسعار المتتالية مع تثبيت دخل المواطنين تنفيذاً لروشتة «صندوق النقد الدولى» قد تؤدى إلى تدمير أسر بكاملها بهروب الآباء من المسؤولية وزيادة نسبة أطفال الشوارع.
لكن ما أفزعنى أكثر، ما كتبته الكاتبة الدكتورة لميس جابر فى «الوطن» والدكتور عماد جاد فى «المصرى اليوم».
«لميس» واحدة من أبرز كارهى الإخوان ومعها ثورة يناير كلها، ومن أوائل من بشروا ثم دعموا ثورة ثلاثين يونيو. لكن عندما تتحدث وبقوة فى مقالها «من البيت بيتك إلى مكملين» عن فشل الإعلام المصرى حاليًا واتجاه الغالبية من المتابعين إلى وسائل إخوانية تعمل من خارج البلاد، مع سرد قصتها مع برنامج «البيت بيتك» الناجح والمعارض فى نهاية عهد مبارك، فإنه جرس إنذار. لقد أسعدنى انتشار مقالها، ولكن من يقرأ ويناقش!
أما عماد جاد فكانت لهجته حادة ودقيقة وهو يتحدث عن التجاهل الذى يعانيه كثيرون من الذين آمنوا وساندوا «النظام الحالى» ثم كان مصيرهم إلى الظل والتجاوز.
أعتقد أن عماد جاد يقصد نفسه بهذه الإشارة، هو واحد من أذكى الخبراء السياسيين فى «مركز الأهرام للدراسات» وله خبرة عريضة فى إدارة العمل الإعلامى فى عدد من الفضائيات. وقف فى وجه الإخوان وانخرط فى أنشطة حزبية ليبرالية، آمن بالرئيس السيسى وحكمه، لكن بعض «الأجهزة» تجاوزته تمامًا.
هذه نماذج من «القمة» وفى أسبوع واحد، أما فى الاطراف، فالوضع اختلف تمامًا. على المقاهى وفى وسط الأصدقاء والأهل، تراجع الحماس العام والدعم. نسبة كبيرة هزمتها هموم ارتفاع الأسعار وتدنى الخدمات وترهل النظام الحكومى الذى لا يستجيب لمعظم الشكاوى. معظم الإنجازات بعيدة عن مجتماتهم التى يعيشون فيها.
أصبح لديهم لامبالاة بما يحدث. البعض خائف يترقب، وآخرون ما زال يشغلهم هذا الخطاب الدعائى المركزى من الإعلام الرسمى.
أتمنى أن نستفيد من الأخطاء السابقة فى ممارسات مبارك ونظامه، ثم كوارث الإخوان دروس قريبة. كل الخبراء أفاضوا فى شرح هذه الخطايا.
انتخابات المحليات
آخر انتخابات للمحليات جرت فى أبريل 2008 وبعد ثورة يناير 2011، أقيمت عدة دعاوى قضائية ضد المجالس النيابية والمحلية وتم إسقاطها جميعًا. عرفنا بعد ذلك، انتخابات برلمانية متتالية بموجب الاستحقاقات الدستورية، لكننا حتى الآن مازلنا بلا محليات. السبب غامض جداً، رغم أن إدارة انتخابات للمحليات أسهل بكثير من الانتخابات العامة أو انتخابات الرئاسة.
عدد محدود من الأحزاب التى ما زالت على قيد الحياة، أو المدعومة من جهات سيادية استعدت جيداً للمحليات أعدت قوائم مركزية، وقوائم فى المحافظات والمراكز والقرى. استعانت بالعائلات الكبرى والمسؤولين الأمنيين السابقين وبأساتذة جامعة وبقيادات مخضرمة للحزب الوطنى فى تجهيز قوائم قوية. انتشرت لافتات محدودة للدعاية على الطرق الرئيسية فى أكثر من محافظة ثم جرى سحبها.
هناك رغبة عارمة بأن تسفر هذه الانتخابات عن صناعة حزب واحد للأغلبية، بحيث يتمكن هذا الحزب من اكتساح الانتخابات البرلمانية المقبلة. «كثيرون استسلموا لهذه الرغبة، بل أعرف من غير ولاءاته فى اتجاه حزب الدولة»، أعتقد أن ذلك طبيعى جداً فى مصر، بل هو عرف سياسى مكرر من أيام عبدالناصر والسادات ومبارك. ولكن يبقى التساؤل: لماذا تتعطل الانتخابات المحلية حتى الآن؟ هل هى الصياغة المحترمة فى بعض البنود لمشروع قانون المحليات، فيما يتعلق بصلاحيات هذه المجالس، ومراقبة مسؤولى المحليات انتهاء بالمحافظ نفسه وإمكانية عزله. إما أن سبب التعطيل متعلق فقط بوجود نية سياسية رئاسية وحكومية باعتماد تشكيلات إدارية جديدة، وإمكانية تأسيس محافظات ومراكز ومدن جديدة قريبًا. إن أداء البرلمان الضعيف، قد تحركه مجالس محلية قوية.
لقد تعطل ظهور القانون فى البرلمان أكثر من مرة ولم يظهر للنور رغم تأكيدات برلمانية وحكومية بجاهزيته، ومعه تعطلت انتخابات المحليات.
فواتير الكهرباء
تابعت باهتمام، رد وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر، على البيان العاجل الذى تقدم به النائب صلاح حسب الله، المتحدث الإعلامى للبرلمان، بشأن شكوى أهل دائرته، شبرا الخيمة من ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء مؤخرا، وأن ذلك مرجعه إلى عدم انتظام القراءة من الكشافين، مما تسبب فى دخول الأهالى فى شرائح استهلاك أعلى.
تعامل راق ومحترف من الوزير، تدخله سريعا أنهى الأزمة. وهنيئا لأهالى شبرا الخيمة بنائبهم النشيط، هو محترم وذكى اجتماعيا وسياسيا بالفعل.
وسؤالى للوزير، الذى له إنجازات ملموسة فى كل أرجاء مصر ويحظى بثقة الرئيس بشكل غير محدود: ماذا عن باقى المحافظات، هل سيشملها تدخل مماثل لما حدث فى شبرا الخيمة؟
هناك فوضى وسوء تقدير للفواتير، وخاصة فى الشهور التالية لفصل الصيف. هناك أيضا فى الوزارة من يشجع الكشافين على هذه الممارسات الدورية لزيادة الحصيلة. هذا العام الشكوى زاد صداها، لأن أسعار شرائح الاستهلاك ارتفعت فعليا.
مطلوب رقابة أكثر على هذا القطاع. عندى وعند غيرى شكاوى عديدة، لو أردتم معالى الوزير، فيمكننى سردها خلال الأسابيع المقبلة.
وسؤالى الآخر: ماذا عن الشركة التابعة لجهة سيادية التى أعلنتم عنها لضبط إيقاع التحصيل، ولماذا لا نعمم عدادات الكروت سابقة الشحن فى كل العقارات.
معالى الوزير: إنجازاتكم مشهود بها، ولكنكم بحاجة إلى مراقبة مستمرة لمن يتعاملون مع الجماهير.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع