بقلم - سليمان جودة
سوف يكون أفضل جداً لو أن الوزير سامح شكرى راجع ما قاله قبل يومين، عن تمسكنا بإعلان المبادئ الذى جرى توقيعه فى الخرطوم مارس ٢٠١٥ بيننا وبين إثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبى، فلا يعود إليه.. ليس لأنى ضد أن تتمسك القاهرة بإعلان مبادئ كانت قد وقعته، ولكن لأن الإعلان لمن يطالع بنوده التسعة، لا يُرتب لنا شيئاً ملموساً فى موضوع السد!.
فالإعلان كان إعلاناً للنوايا من جانبنا، أكثر منه إعلاناً لمبادئ تُرتب حقوقاً مرئية لنا، حين وضعنا إمضاءنا عليه، وكانت مصر من خلاله تريد أن تقول إن نواياها تجاه إثيوبيا، وتجاه الخرطوم بالضرورة، لا تحمل شراً من أى نوع لهما، وإنها تمد يدها، وتتوقع يداً ممدودة من الجهة الأخرى فى المقابل!.
ولكننا فى كل مرة كنا نكتشف أن يدنا هى وحدها الممدودة!.
وسوف يكون أفضل جداً لو أننا توقفنا عن استدعاء البنك الدولى طرفاً فيما بيننا وبين إثيوبيا والسودان، بشكل خاص، ثم فى العلاقة مع دول حوض النهر الإحدى عشرة بشكل عام!.
إن هناك إصراراً غير مفهوم منا على استدعاء البنك إلى الملف، وكأننا لم نتعظ من تجربة استدعائه هو نفسه إلى العلاقة بين دول الحوض عام ١٩٩٩!.
وكأننا لم نأخذ الدرس من موقفه معنا حين استدعيناه إلى تمويل السد العالى عام ١٩٥٦!.
وكأننا نريده أن يلدغنا من الجحر ذاته ثلاث مرات.. ولا تكفينا مرة واحدة.. ولا مرتان!.
وكأننا نتوقعه جمعية خيرية تسعى بين الدول بكل ما يجلب لها الخير، ويحقق لها النفع والفائدة، ويجعلها.. خصوصاً فى حالتنا.. فى وضع أفضل مما هى عليه!
لن يحدث شىء من هذا، وتجربته معنا ومع غيرنا تؤكد ما أقوله، ليس لأنى أريد عن قصد أن أصوره على أنه شر مُطلق، ولكن لأن هذه هى طبيعته التى نشأ عليها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، فهى طبيعة فيه لن تتغير، والرهان على تغيرها، أو تغييرها، أقرب إلى أن نطلب من الأسد أن يكون قطاً، أو العكس!.
إننى أتصور أن نكون على دراية كاملة، ومُسبقة، بالبنك، وبطبيعة أفكاره، وبحقيقة القوى العالمية التى تحركه من داخله وتوجهه.. أتصور أن نكون على دراية بهذا كله، دون حاجة إلى أن تكون لنا معه تجربة، أو تجربتان، أو أكثر!.
ولابد أن أفضل طريقة للتعامل مع الأشقاء الإثيوبيين هى التى تمسك بها الرئيس فى أثناء لقائه مع رئيس وزرائهم، أمس الأول!.. والطريقة هى أنه لا بديل عن ترجمة التطمينات من جانبهم إلى فعل على الأرض.. بل إلى شىء مكتوب.. فنحن نصدق رئيس الوزراء الإثيوبى عندما يقول إن السد لن يضر بنا.. نصدقه.. ولكنه يعرف قطعاً أن الأمور بين الدول لا تؤخذ هكذا بالكلام الشفوى، ولا بالنوايا الحسنة وحدها، ولكنها تؤخذ بما هو مكتوب، ومسجل، وبما وضع كل طرف إمضاءه الواضح عليه!.
مرة أخرى.. وثالثة.. وعاشرة: استدعاء البنك إلى الموضوع هو بمثابة وضع يدنا اختياراً فى فم الأسد.. وعلينا أن نتخيل الباقى!.
نقلا عن المصري اليوم