بقلم - امينة النقاش
فى حوار أجريته معه عقب سقوط الاتحاد السوفيتى وانهيار المنظومة الاشتراكية، سألته هل لا يزال هناك مستقبل للاشتراكية فى عالم اليوم؟ أجاب «خالد محيى الدين» طالما ظل هناك شوق إنسانى للعدالة، ستبقى الاشتراكية احتياجاً إنسانياً.
كانت فكرة الإنصاف والعدل الاجتماعى، جزءاً أساسياً من تركيبة خالد محيى الدين الشخصية، التى تفوق كل صفاته الأخرى وتتقدّم عليها.
وإذا كان فى هذا الحوار نفسه قد قال لى إنه وجيله من الضباط الأحرار، دخلوا معترك السياسة من باب القضية الوطنية، والرغبة فى التحرّر من المستعمر وأعوانه، إلا أن تجربته فى تأسيس حزب التجمع والعمل بداخله وفى ساحة البرلمان، لإقرار كل ما هو منصف وعادل، كشفت أن تلك الصفة الشخصية هى التى تحكمت فى سعيه للعمل العام والسياسى، قبل أن تنضج أفكاره الوطنية، ويتبلور هدفها.
ورغم أنه كان ينتمى إلى أسرة ميسورة، يستطيع أن يهنأ بخيراتها، ويعيش فى رغد من العيش، حياة مطمئنة خالية من المشكلات، تساعد على الصعود الاجتماعى الناجح، بعيداً عن الضرورات والضغوطات والتضحيات التى تلازم كل عمل للإنسان خارج ذاته، لاسيما إذا كانت ساحته هى عالم السياسة المضطرب، الذى ذاق مرارة بعض تقلباته، إلا أنه لم يكن يرضى بذلك ولم يفعله.. وهو شأن الفرسان وذوى الضمائر الحية، لم يكن يستطيع أن يهنأ فى محيط من الشقاء الاجتماعى، تغلله تعاسات الجموع، ويسوده العوز والفقر والحرمان، ويفتقد الحدود الدنيا من القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية التى تصون كرامة المواطنين، ولا تنهض بأى حال على الفصل بين مصالحهم ومصالح الوطن.
فى الحزب وظّف «خالد محيى الدين» كل الإمكانيات المتاحة لخدمة المواطن، وتحول مكتبه إلى خلية نحل تعمل طوال الوقت لتلقى الشكاوى الجماعية لهم، وكان يحرّض أصحابها فى بعض الأحيان على اللجوء إلى طلب العون من نقاباتهم، عمالية كانت أم مهنية، والاتصال بكتاب الأعمدة فى الصحف ووسائل الإعلام المتاحة لعرض قضيتهم.
وكان المبدأ الذى اعتمد عليه وظل يدافع عنه، أن دور حزب التجمع ليس بديلاً عن نضال الفئات الاجتماعية المختلفة لنيل حقوقها وتحقيق مصالحها، بل هو وسيلتهم للتوعية بها، وهو صوتها الإعلامى والنيابى للدفاع عنها فى مختلف المحافل، ومساندة مطالبها حتى يثمر نضالها ويحقق نتائجه.
فى مرات كان «خالد» يتصل بالمسئولين عن تحرير صحيفة «الأهالى» ليقول لهم، إذا كان فى عدد «الأهالى» هجوم على الوزير الفلانى، أجلوه للأسبوع التالى، فقد وعد بحل مشاكل العاملين فى الهيئات التابعة لوزارته، فأتيحوا له فرصة للحل، ثم اكتبوا عنه بعد ذلك ما تشاءون. كان خالد محيى الدين هو الذى قاد حزب التجمع فى منتصف التسعينات الماضية، لتعديل برنامجه العام، لكى يتوافق مع حقائق الواقع الاجتماعى ويستجيب للمتغيرات فى المشهد الدولى، لتصبح وثيقته برنامج «المشاركة الشعبية» ترجمة خلّاقة لمفهوم العدالة الاجتماعية فى بدايات الألفية الجديدة، التى من شأنها أن تمهد لبناء المجتمع الاشتراكى.