بقلم - سوسن الشاعر
أرسلت مملكة البحرين رسالة مهمة لإدارة بادين بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن دول الخليج والدول العربية كافة بأن دولنا وليست البحرين فقط «لن تلدغ من الجحر مرتين». جاء ذلك على لسان وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله، والسبب هو اجتماع السفير الاميركي الجديد المعين من قبل إدارة جو بادين مع عدد من أعضاء المؤسسات المدنية البحرينية ووعدهم بالتدخل!
الحدث له أهمية قصوى لدى مملكة البحرين يستمدها من كون التحذير جاء من مصدر أمني، رغم أن القصة تقع في الإطار الدبلوماسي، إنما اختارت البحرين أن تعطي للحادث بعدا أمنيا لأنه بالفعل كذلك، نظرا لما تمر به المنطقة من ظروف تصاعدت فيها حدة المخاطر والتهديدات الإيرانية، وما يمكن أن يتسبب فيه مثل هذا الحادث من فوضى لن تسمح بها البحرين مرة أخرى في إشارة لأحداث عام 2011 التي دعمت فيها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الجماعات البحرينية المقلقلة للسلم الاجتماعي.
كيف بدأت الحكاية؟
نشر أحد المواقع الإلكترونية في 13 فبراير (شباط) خبراً مفاده أنه «في أول عمل قام به بعد تقديم أوراق اعتماده، التقى السفير الأميركي الجديد في البحرين، ستيفن سي بوندي، بعدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وذلك بحضور مسؤولة مؤسسات المجتمع المدني للشرق الأوسط بالخارجية الأميركية، قبل مغادرتها المنامة، تفيد بعض المعلومات بأن النقاش دار حول الأوضاع في البحرين، وإمكانية الحوار والتحاور وحل (الأزمات السياسية) وغيرها، وماهية الدور المحتمل أن يقوم به السفير الأميركي في هذا الصدد لتحريك الوضع الجامد الحالي»، حسب وصف الخبر، ثم أضاف: وأفادت مصادر بأن الشخصيات البحرينية شرحت للسفير بعض الصعوبات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الديمقراطية في البلاد، و«لفتت المصادر إلى أن السفير ومرافقته استمعا كثيرا للشخصيات البحرينية التي قدمت بدعوة شخصية من السفارة، وقد وعدت المسؤولة المكلفة مؤسسات المجتمع المدني في الشرق الأوسط بإيصال صوتهم إلى واشنطن، من أجل مساعدة هذه المؤسسات التي تسعى لخدمة بلادها البحرين». انتهى.
هل بالغت البحرين برد الفعل أم أنها حرصت على إيصال رسالة قوية حاسمة حازمة حتى لا تترك مجالاً للعودة إلى المربع الأمني السابق.
فإن كان السفير الديمقراطي الجديد اعتقد أنه يجس النبض ليرى إمكانية المضي قدماً بمهمته التي سيكمل بها ما توقفت عنده السفارة الأميركية حين كانت تحت سلطة الديمقراطيين إبان حكم أوباما، فموقف البحريني الرسمي الحاسم أوصل الرسالة المطلوبة تماما بأنه لا عودة، فوزير الداخلية البحريني صرح فورا بـ«أن ما أقدم عليه هؤلاء، يعتبر تجاهلا واضحا للجهات الرسمية المسؤولة عن تنظيم عمل هذه الجمعيات في إطار قانوني سليم، كما يعيد للأذهان، تلك الأحداث المؤسفة التي تعرضت لها البلاد قبل 11 عاما، ويرفضها الجميع بعد أن راح ضحيتها أرواح وخسائر، وكان من أبرز أسبابها التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين، والتواصل من قبل شخصيات مخالفة للقانون مع جهات خارجية»، وختم تصريحه بـ«أن مملكة البحرين، دولة القانون والمؤسسات، ولن تسمح بإفساح المجال لمثل هذه التدخلات في شؤوننا الداخلية، حيث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، حفظ الله البحرين وأعز مجدها».
ثم في اليوم التالي استدعى وزير الخارجية الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، السيد ستيفن بوندي، سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى مملكة البحرين، حيث أبلغه بتحفظ المملكة على اللقاء الذي جرى، بما يحمله من دلالات لا تتفق مع القوانين والأعراف الدولية في هذا الشأن.
ما يوازي ردة الفعل الرسمية هي ردة الفعل الشعبية التي كانت أشد حسماً، فالموقف الشعبي المتمثل في السلطة التشريعية بغرفتيها المنتخبة والمعينة والمتمثل كذلك في المجالس الشعبية البحرينية (الدواوين) المعروفة أو ذلك المتمثل في الإعلام وفي تصريحات قيادات الجمعيات والمؤسسات المدنية الغاضبة والمنددة بهذا السلوك الأميركي نظراً لحساسية المرحلة التي نمر بها وقياساً بتجربة 2011 المريرة التي مرت بها مملكة البحرين، وكان لتدخل السفارة الأميركية دور فيها حين ذاك، ووصلت ردود الفعل الغاضبة بتذكير السفير بأن البحرين سبق لها أن طردت مساعد وزير الخارجية توك مالينوفسكي عام 2014، الذي هو أعلى منصب من السفير، وتذكير المجموعة التي اجتمعت مع السفير بأن البحرين لن تسمح للنسخة البحرينية من «أحمد الجلبي» مرة أخرى.
جاء تحرك السفير متزامنا مع تحركات الميليشيات الحوثية تجاه المنطقة والمنظمات الإرهابية - كـ«حزب الله» - التي استضافت شخصيات من جمعية الوفاق البحرينية المنحلة، مما يؤكد أن التهديدات الإيرانية جدية، وستزيد في المرحلة القادمة خاصة إذا تم رفع العقوبات عن إيران باتفاق لا يراعي مخاوف المنطقة والحلفاء.
لذلك كان رد الفعل على الحراك الأميركي مأخوذا بجميع تلك الاعتبارات التي لا تسمح بأي نوع من أنواع التساهل أو التهاون تجاه تكرار الأخطاء مرة ثانية.