بقلم: سوسن الشاعر
بنهاية عام 2019 يكون قد مضى على الثورة العربية ضد الاحتلال التركي أكثر من 100 عام، جرت فيها مياه تحت الجسور، ونجحت تركيا في الألفية الثانية، منذ تولي حزب العدالة والتنمية دفة الحكم، في وضع مسار العلاقات التركية العربية، وخاصة الخليجية، على الخط التصالحي، بل تبادل المنافع اقتصادياً وسياسياً.
لكن في السنوات العشر الأخيرة، والأمور تتقهقر وتعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر بسبب عناد رئيس الحزب، لا بسبب الحزب.
استقالات بالجملة في حزب العدالة والتنمية من الوزراء ومن العسكر، مؤشرات تؤكد أن الرجل العجوز لا يريد الإصغاء، مهندس تصفير المشكلات أحمد داود أوغلو في بيان استقالته يقول: «الحزب الذي أتم عامه الـ18 الشهر الماضي (أغسطس - آب)، قدم لبلدنا وشعبنا آمالاً كانت منتظرة منذ 100 عام، لكنه في سنواته الأخيرة انحرف عن مساره في سياساته التي يتبعها». وأضاف: «قمنا بتوجيه نداء تجديد في إطار مؤسسات الحزب، إلا أنه لم يتم الإصغاء لصوتنا».
ولا يريد إردوغان أن يصغي لأوغلو مهندس تصفير الأزمات، والهروب للأمام دفع إردوغان للبحث عن أزمات خارجية يغطي بها عجزه عن معالجة أزماته الداخلية.
ما يعنينا في الأزمة التركية المحلية علاقتها بمحيطها العربي، وهي علاقة يتفاقم سوؤها منذ عام 2010 ويتدهور إلى حد كبير؛ بعد أن صفّرها أوغلو أعادها إردوغان إلى سابق عهدها.
وصل الأمر إلى قيادة الحملات الإعلامية ضد دول التحالف الرباعي لمكافحة الإرهاب، والتدخل في الأزمة القطرية لصالح قطر، وتهديد أمن مصر وليبيا وسوريا.
منذ افتتاح الرئيس إردوغان القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، ظهر حجم التعاون بين البلدين في تحقيق أجندة واحدة ذات مصالح مشتركة، تعزز أجندة المحور التركي الإيراني القطري ضد الشعوب العربية.
الدور التركي بدأ يتفاقم ويبرز للعلن في التحالف ضد عالمنا العربي بشكل عام، فانتقلت تركيا إلى مرحلة التدخل العسكري المباشر بمعدات وأسلحة، وأعلنت أنها على استعداد لإرسال قوات لليبيا. وبلطجتها في البحر المتوسط للاستيلاء على الغاز وتعديها على الحقوق القبرصية والمصرية، واتفاقياتها العسكرية مع حكومة الوفاق الليبية، جعلها في مواجهة مباشرة مع اليونان وقبرص ومصر، واحتلالها الشريط الحدودي مع سوريا، بالإضافة إلى إنشاء 3 قواعد عسكرية تركية في 3 دول عربية؛ قطر والصومال وسوريا، جعل تركيا الآن في مواجهة حتمية مع الشعوب العربية التي ترفض عودة الاحتلال العثماني من جديد لها، وتلك مرحلة جديدة لم تتضح ملامحها بعد.
اعتمدت تركيا على تكتيك جديد، يبدأ بالتخفيف الإعلامي عن السعودية وتركيزها على دولة الإمارات، ثم دفع بيان القمة الخليجية في الرياض - الواضح والصريح والموجة ضد إيران وضد الإرهاب في موقف موحد ثابت وإجماع خليجي - الإعلام التركي لأن يأخذ منحى آخر بالتصريح، لا بالتلميح، بعداء تركيا لمصر وللإمارات وللمملكة العربية السعودية، ففي صحيفة «يني شفق» التركية، نشر مقال لإبراهيم قراغول قال فيه: «إذا كانت هناك ضرورة في انتقال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، فسيحدث هذا. لا يمكن أن نسمح لأحد أن يحصر تحركات تركيا بين جزر بحر إيجة الضيقة، ولا يمكن عزلها عن المنطقة أو طردها من مياه المتوسط. لقد حفظنا هذه اللعبة عن ظهر قلب.
وهكذا سيورث رجب طيب إردوغان أزمات مالية وسياسية وأمنية، يحتاج من سيأتي بعده إلى سنوات لتصفيرها، إذ يشهد محيط تركيا من الدول الأوروبية، وكذلك محيطها العربي، حالة عداء غير مسبوقة منذ الثورة العربية الكبرى عام 1916.