لا يحتاج الأمر إلى مواجهة عسكرية مع إيران كي نتخلص من مشروعها التوسعي الخطير والمهدد لأمننا وسيادتنا، فالمواجهة العسكرية أصبحت شكلاً من أشكال الحروب التقليدية البائدة والمكلفة. الحروب كما نرى لها أشكال غير تقليدية، وهي أكثر تأثيراً، وتنخر النظام الحاكم من الداخل، وترغمه على التهاوي.
كما لا يحتاج الأمر انتظار قرار الإدارة الأميركية بالتخلي عن الاتفاق النووي الإيراني، أو انتظار اقتناع أوروبا بخطورة هذا النظام على الأمن الدولي كله، كي نعرف إن كانوا جادين في مواجهة المشروع الإيراني أم لا، فقد وصلت لهم الصورة واضحة، ويبقى القرار نابعاً من مصالحهم الخاصة لا من مصالحنا.
الاستراتيجية التي تتبعها المملكة العربية السعودية الآن هي الأنجع والأكثر فعالية والأقل تكلفة. أهم ما في الموضوع ألا تكون السعودية في عجلة، دعوها على نار هادئة! وتتركز في جعل تكلفة وجود إيران خارج حدودها تكلفة عالية الثمن، بعد أن كانت تتحرك بأريحية في الساحة العربية دون اعتراض أو تدخل من دول الخليج، على مدى العقود الثلاثة الماضية، احتراماً للعهود والمواثيق الدولية، ولشؤون الشعوب العربية الخاصة.
بفضل التحول في السياسة السعودية الذي ركز على استهداف الوجود الإيراني، أصبح الاحتفاظ بقواعد النظام الإيراني في سوريا مكلفاً مادياً وبشرياً، وذلك بالتعاون والتنسيق الدولي بين المملكة والولايات المتحدة، دون انتظار لموافقة روسية أو موافقة بطبيعة الحال من نظام متهاوٍ فيها. واستنزافها مالياً وبشرياً أصبح أمراً واقعاً. دعوها تغرق في مستنقعها، وتنشغل بالتصدي للهجمات المتصاعدة على قواعدها، وهذا ما يحدث الآن دونما حاجة لأي تصادم مباشر.
وكذلك في اليمن، عميلها الخائن منهك ومستنزف، ويحتاج دوماً إلى مزيد من الصواريخ الباليستية والخبراء، لمساعدتهم للبقاء صامدين أمام غارات التحالف. وها هم يُحصدون واحداً تلو الآخر.
على الشعب الإيراني أن يعرف أن نظامه سيدفع ويبذل كثيراً من المال والرجال للاحتفاظ (بمكاسبه) في الدول العربية، إذ ستتضاعف حاجته لابتعاث مزيد من (الخبراء) لدعم ميليشياتهم المسلحة العميلة، الذين سيعودون لهم في توابيت، كما يحدث الآن في سوريا واليمن.
وعلى الشعب الإيراني كذلك أن يعرف أنه سيحتاج لكثير من المال، لشراء ذمم العرب من عملائه لتوظيفهم لخدمته.
حين كانت الساحة السياسية خالية صافية لهم ليعبثوا فيها، امتنعت السعودية عن التدخل في لبنان أو العراق أو دول عربية أخرى، على أساس أن تلك الدول لها سيادتها؛ ولكن جاءنا الشر الإيراني من العراق ومن لبنان، وأصبح التدخل مشروعاً ما دامت الدولة لم تكبح جماح الأحزاب الموالية لإيران. وها هي السعودية تشجع حلفاءها حلفاءها من أحزاب تلك الدول من أجل التخلص من النفوذ الإيراني، رغم أن فوهة المسدس الإيراني موجهة إلى رأس الشعبين العراقي واللبناني في انتخاباتهم الحالية.
الجديد في هذه الدول أن إدراك الخطر الإيراني بدأ يتصاعد حتى عند التيارات الموالية لها؛ سواء بسبب حجم النهم والطمع الإيراني لاستنزاف موارد تلك الدول، أو بسبب حملات التوعية واستنهاض الروح العربية لدى تلك الشعوب التي تقودها السعودية، وأيا كانت الأسباب، فإن مقاومة في المناطق الشيعية تحديداً لتلك الزعامات الموالية لإيران بدأت تتسع.
صحيح أن فرصة التغلب على الأحزاب العميلة لإيران ضئيلة حالياً في العراق ولبنان، بعد أن تغلغل النفوذ الإيراني وسط الأحزاب الموالية له، بالابتزاز وبالتهديد وبشراء الذمم وبتغيير القوانين وتجييرها لصالحها، كما حدث في لبنان لعقود طويلة، إلا أن الصوت المناهض لإيران وعملائها بدأ يتجرأ على الارتفاع في العلن، وذلك أمر لم يكن له وجود قبل سنتين فقط ويحتاج إلى دعم.
يساعدنا في توعية الشعوب العربية بالخطر الإيراني طمع هذا النظام ونهمه، فإيران مدت يدها حتى وصلت للجزائر والمغرب أيضاً، مما يسهل علينا عملية إقناع تلك الدول بخطورة النظام الإيراني، وضمهم لحلفنا في محاربة نفوذه، خاصة أن إيران لا يهمها طبيعة الميليشيات المتمردة التي تسلحها، فهي إلى جانب تسليحها للميليشيات الشيعية كـ«حزب الله»، و«الحشد الشعبي»، والحوثيين، تسلح إيران «القاعدة»، وأخيراً تقدم السلاح لما يعرف بجبهة البوليساريو! فالهدف الأساسي من دعم التنظيمات المتقاتلة هو تفريغ الدولة العربية من سلطتها المركزية، بالتمرد، ومن ثم سقوط النظام الموجود، فيحدث الفراغ الذي تريد إيران تعبئته.
فإن نجحنا في التصدي لعملائها في الخارج بهذه السياسة الذكية الهادئة، إلى جانب دعم الحركات الانفصالية والمعارضة الإيرانية في داخلها، وإن نجحنا في حث المجتمع الدولي على فرض العقوبات الاقتصادية عليها، فإننا لن نحتاج مواجهة عسكرية معها. دعوها تنضج على نار هادئة.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع