بقلم - سوسن الشاعر
لا يختلف اثنان على أن المملكة العربية السعودية في القمة الأخيرة قد بذلت جهداً غير تقليدي وخارج الإطار البروتوكولي المعتاد، لجعلها قمة تتخذ منحى جديداً غير مألوف.
عادة ما تكتفي الدولة المضيفة بتوجيه الدعوات؛ حضر مَن حضر وغاب مَن غاب، إنما المملكة في هذه القمة اخترقت حواجز كثيرة، وفعلت دبلوماسية غير تقليدية أبداً، ثم توجت تلك الدبلوماسية بعودة سوريا للبيت العربي بعد قطيعة 12 عاماً. وحضر الرئيس الأوكراني ليسمع من العرب رأيهم في الأزمة الأوكرانية.
والأهم من القمة هو ما سبقها؛ فذلك المشهد النهائي جرى له إعداد كسرت فيه السعودية العديد من الحواجز التي كانت شبه «تابوه» للدور الذي يوكل بأي دولة عربية، يؤطر لها الحراك ضمن الإطار الذي تفرضه القوى العظمى ومصالحها فقط لا تستطيع أن تخرج عنه.
جرى كسر ذلك الإطار في العلاقات مع الصين الجديدة في محتواها الذي فاق كل التوقعات، فبلغ حجم التجارة البينية بين السعودية والصين في عام 2021 نحو 309 مليارات ريال (82.4 مليار دولار)، بزيادة قدرها 39 في المائة عن عام 2020. كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال (10.9 مليارات دولار)، وبعيداً عن الأرقام الاقتصادية، هناك نقاش حول التبادل النفطي بعيداً عن الدولار، وهناك اتفاقيات العمل على البحث عن اليورانيوم في الأراضي السعودية، حيث أكد وزير الطاقة السعودي أن المملكة تعتزم استخدام مواردها من اليورانيوم بما يتماشى مع الالتزامات الدولية، وللصين شراكة فعالة في هذا التوجه.
ثم جاء الاختراق الأكبر للإطار الخاص بمصالح القوى العظمى بالاتفاق مع إيران برعاية صينية!
التواصل مع سوريا وطرح مبادرات العودة مع مراعاة مقتضيات الحرب على تهريب المخدرات عبر الأراضي السورية، إلى جانب مقتضيات الحرب على الإرهاب التي تشن داخل الأراضي السورية، وكذلك دعوة الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات وتحولها لوسيط بدلاً من أن تكون طرفاً، وكذلك رعاية المفاوضات للأطراف السودانية، كلها باختصار قدمت السعودية نفسها دولةً محوريةً تعمل الكثير من أجل تصفير ملفات الصراع التي تشغلها وتشغل بقية الشعوب العربية عن انشغالها بالتنمية والاقتصاد.
من المهم النظر إلى جميع تلك التحركات الخاصة بإيران وميليشياتها في المنطقة على أنها تجري خارج الوساطة الأميركية وضوابطها، بدلاً من الاتفاق تحت المظلة الصينية، وصولاً لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد للقمة، وتجاوز المحاولات الأميركية لعرقلة هذه التحركات.
السعودية نجحت في تجاوز عقبات وتحديات، بنهجها السياسي الذي فيه ترعى مفاوضات الأطراف اليمنية المتصارعة والأطراف السودانية المتصارعة، في محاولة لاتخاذ مواقف حياد إيجابي كما أطلق عليه وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.
هذا هو تلخيص لعنوان السياسة الخارجية السعودية؛ حياد متفاعل مع الحدث لا حياد الواقف موقف المتفرج، حياد يصنع المستقبل لا يتلقاه ويُضطر إلى أن يتعامل مع الحدث بوصفه أمراً واقعاً.