توقيت القاهرة المحلي 09:45:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دائماً بعد فوات الأوان

  مصر اليوم -

دائماً بعد فوات الأوان

بقلم: سوسن الشاعر

يتمسك الفلسطينيون اليوم «بمبادرة السلام العربية» ويصرّون عليها مدخلاً للسلام، لكن للعلم هذه المبادرة قدمتها لهم السعودية قبل أربعين عاماً ولاقت المملكة ما لاقت عام 1981، وووجهت بالإساءات والعبارات النابية، والتفاصيل يذكرها غازي القصيبي في كتابه «الوزير المرافق» من ص 179 إلى 193.
يقول القصيبي، إن الملك فهد - يرحمه الله - استدعى قيادات فلسطينية إلى الرياض في صيف 1981، وكان ولياً للعهد حين ذاك، وعرض عليهم مشروعاً للسلام مكوناً من 8 نقاط. تحدث عن انسحاب إسرائيلي كامل وعن دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس، وعن تعايش دول المنطقة، وحين اعتقد أنه ضمن تأييد الفلسطينيين للمبادرة «استدعى وسائل الإعلام السعودية وأعلن المبادرة، ثم غادر (كان وقتها ولياً للعهد) في زيارة خاصة إلى المغرب. وبدأت ردود الفعل العالمية تترى، أعلنت إسرائيل رفضها الشديد للمشروع، بينما قالت الولايات المتحدة إن المشروع جدير بالدراسة، وأيدته بعض الدول العربية ورفضه البعض الآخر»...
«كانت هناك نذر توحي بالقلق، أولها انعقاد القمة الخليجية؛ إذ رفضت الكويت المشروع، بسبب حساسيتها المفرطة تجاه أي موضوع يثير الفلسطينيين، في ظل غموض موقفهم من المشروع. في النهاية صدرت عن المجلس (مجلس التعاون) عبارات مطاطة مفادها أن تتولى المملكة عرض المشروع أمام القمة العربية في فاس، وهنا برزت عقدة العقد، وهي موقف الفلسطينيين أنفسهم! كان المفترض أن يحظى المشروع بتأييد فوري منهم، لأنه خرج بعد مفاوضات طويلة مع عناصر (فتح) المعتدلة، أو على الأقل من قادة (فتح) أنفسهم، إلا أن هذا لم يحدث، بل انتقده الفلسطينيون على الفور. أما ياسر عرفات فكان كعادته يطلق عشرات التصاريح المتناقضة، يأتي للمملكة ويقول إنه مع المشروع تماماً، ويغادرها ويقول إن رأيه الشخصي لا يهم والمهم هو موقف قيادة منظمة التحرير، فشلت كل محاولات الملك فهد للحصول على موقف ثابت وواضح من عرفات»...
«وفي هذه الأجواء انعقدت قمة فاس في نوفمبر (تشرين الثاني) 1981، عندما وصلنا لفاس كان المشروع حديث الجميع، وكان الملك فهد في حيرة من أمره، غالبية الدول العربية مع المشروع فيما كان يتحفظ عليه سوريا والفلسطينيون، سمع الملك فهد بعض الأعضاء من الوفد الفلسطيني وهم يهاجمون المشروع بعبارات نابية! وسمع عن جهود مكثفة بين السوريين والفلسطينيين لقتل المشروع».
يذكر القصيبي في الكتاب كيف حاولت بعض الدول العربية إثارة الفوضى في مؤتمر فاس، ورغم أن الملك الحسن - رحمه الله - أدار الجلسة بحزم مانعاً قدر المستطاع أي تطاول على المملكة، إلا أنه بدا واضحاً أنه لن يصل إلى نتيجة، فما كان من الملك فهد إلا أن طلب الكلمة، وقال «إن المملكة لم تحاول، ولن تحاول فرض أي شيء على أحد. أدليت بتصريح لوكالة الأنباء السعودية يعبر عن وجهة نظر المملكة. لم نقل إن هذا مشروع عربي، ولم نطلب أن يتبناه أحد، غير أن هناك عدداً من الدول في العالم أيدته على الفور. رغبت عدد من الدول العربية الشقيقة في أن نعرضه على المؤتمر ووافقنا. لم نلتزم مع دول عظمى أو غير عظمى بشيء، لسنا مقيدين بشيء ولا ملتزمين بشيء تجاه أحد. لقد أتينا هنا للنقاش. لم نأت هنا لنُجرَح أو نُهان، ولا أقبل أن يجرح أي إنسان المملكة! اتفقوا على ما شئتم. إنني باسمي أسحب الآن المشروع السعودي نهائياً من جدول الأعمال! كانت كلمة الملك فهد قنبلة لم يتوقعها أحد»...
«وهكذا انتهى مؤتمر القمة العربية في فاس بعد جلسة واحدة استغرقت قرابة 7 ساعات.
سافر بعدها الملك فهد إلى ماربيا في إسبانيا. كان يعاني الكثير من الكآبة وخيبة الأمل. بقي في قصره طوال الوقت ولم يخرج منه سوى مرة واحدة. كان يتحدث عن الموقف العربي بانكسار ويأس.
كان الملك فهد يقول: أراضينا لم تحتل وشعبنا لم يشرد، وفعلنا ما فعلنا من أجلهم فماذا كانت النتيجة؟ أن نُجرَح ونُشتم! كان الملك فهد يردد ما قاله بعض أعضاء الوفد الفلسطيني خارج القاعة: نحن قابلون بتشريد أبنائنا واحتلال أراضينا، قابلون بهذا الوضع ولا نريد السلام، لماذا تتدخل المملكة؟ ويضيف الملك فهد: كيف يمكن التفاهم مع أمثال هؤلاء؟». (انتهى الاقتباس).
... هذه باختصار قصة مشروع الملك فهد للسلام، وبعد مرور عشرين عاماً قدّم الملك عبد الله المشروع مرة أخرى في 2002، وحينها وافق الفلسطينيون على ما رفضوه سابقاً، ولقيت المبادرة الإجماع العربي هذه المرة إنما بعد ضياع عشرين عاماً، واليوم بعد مرور أربعين عاماً على المبادرة الأولى تحرّك الإمارات والبحرين بعضاً من المياه الراكدة بيننا كعرب وبين الإسرائيليين، وكالعادة وُوجهتا بالإساءات، فهل كتب علينا أن نوافق على ما نرفضه إنما بعد فوات الأوان؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دائماً بعد فوات الأوان دائماً بعد فوات الأوان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon