بقلم: سوسن الشاعر
النتائج المخيبة للآمال التي انتهت بها أكبر حملة إعلامية عرفها التاريخ الحديث تستحق أن تدرس كحالة «study case».
حملة دولية متعددة الأطراف لمحاولة عزل السعودية والإساءة إلى صورة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان باءت بالفشل الذريع، على الرغم مما أتيح لها من إمكانات مهولة غير مسبوقة في مدى اتساعها وقوة الأدوات المستخدمة فيها، حيث تضافرت جميع أدوات القوى الناعمة من وسائل إعلام عابرة للحدود لمنظمات غير حكومية عابرة للحدود لشركات عملاقة متعددة الجنسيات، جميعها سخرت إمكاناتها لغرض اتفقت لهذا الغرض، ومع ذلك فشلت... كيف؟
أرادوا عزله سعودياً ودولياً والنتائج لم تزد من شعبيته محلياً فحسب، بل زادتْ من مكانته الدولية أيضاً، وهذا ما لم يحدث من قبل قياساً بما بذل من جهد لمحاربته.
ولو أجري مسح استبياني لشعبيته في دولته إبان زيارته إلى كوريا الجنوبية ولليابان لوجدوها هي الأعلى منذ تولي ولاية العهد إلى الآن، فقد أبدع السعوديون في التعبير عن الاعتزاز والفخر به، وتفننوا في إبداء إعجابهم لا في وسائل الإعلام التقليدية فحسب، بل في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد رصدت تلك الانطباعات الشعبية العفوية كبريات الصحف الغربية والمواقع الإلكترونية كموقع «سي إن إن» الذي لاحظ أن الوسم الذي يحمل اسم بن سلمان يتصدر «الترندات» السعودية.
على صعيد آخر، كشفت حفاوة استقبال زعماء الدول له عن تقدم مكانته الدولية وازديادها سطوعاً، هذه النتائج الصادمة الماحقة تستدعي أن يجتمع ويتدارس فريق «التشويه» ليكتشف ما الخطأ الذي ارتكبه؟
الدرس الأول الذي يجب أن يعيه المشرفون على تلك الحملة، هو مناطحة الواقع؛ فالاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية التي تحيط بالمملكة العربية السعودية يصعب تجاهلها تحت أي ضغط إعلامي مهما كانت شراسته، تجاهلهم المتعمد والقفز على تلك الاعتبارات كانا سباحة ضد التيار.
الخطأ الآخر الذي ارتكبته تلك الحملة أن الشدة والقسوة في الهجوم على أي شخصية والمبالغة المفرطة والتركيز على الهجوم دائماً ما تأتي بنتائج عكسية، وهذه قاعدة إعلامية معروفة، فقديماً قالوا «لا تبالغ في القتل» والحملة التي شنت على ولي العهد انعدمت فيها أخلاق الفروسية وفجرت في خصومتها؛ فحصد ولي العهد تعاطفاً دولياً وارتدت سهام الحملة إلى مصادرها فجاءت النتيجة عكسية؛ إذ لم يشهد التاريخ اجتماع هذا الكم من المؤثرين السياسيين والإعلاميين على هدف مشترك كما اجتمع نفر من الساسة اليساريين وبعض الأحزاب على هدف الإساءة إلى صورته ولم تصرف أموال مهولة كما صرفت قطر لتمويل الحملة الفاشلة هذه. وكان الخطأ الثالث متمثلا في ضخامة تمويل الحملة التي لفتت الأنظار وساهمت الخلافات الحزبية الغربية في كشف فضائح تلك التمويلات مما أفقدها مصداقيتها فضعف تأثيرها، رغم أنه لم يحدث أن تضافرت جهود إعلامية مع منظمات دولية بهذا الشكل الفاضح وبلون فاقع من التحيز وعدم الموضوعية.
درس آخر لأصحاب الحملة هو الجهل بطبيعة الشعوب العربية والخليجية تحديداً وبعلاقتها بالأسر الحاكمة ومنطق البيعة بين تلك الشعوبوتلك الأسر، مما يجعل التعاطف والالتفاف بين تلك الشعوب وتلك الأسر شيمتين وقيمتين اجتماعيتين حين يكون أحدها في خطر.
كما لم يعرفوا أن نسبة الشباب في المجتمع السعودي تبلغ الثلث من التعداد، وهؤلاء كانوا رافعة لولي عهدهم على عكس ما روّج له الخصوم، فهؤلاء الشباب يرون في محاولة استهداف الأمير محمد بن سلمان استهدافاً لطموحهم، واستهدافاً لسفينة فضاء صاروخية تنقلهم للمستقبل، ومحاولة المساس به قتل لأحلامهم، ومن يعرف السعوديين معرفة صحيحة وعاش بين ظهرانيهم فسيعرف أن كسب قلوبهم ليس بالأمر الهين، ولولا أن لامس الأمير محمد قلوبهم ورأوا فيه طموحهم وأحلامهم لما تعلقوا به ولما دافعوا عنه باستماتة.
لذلك فإن الأمير محمد بن سلمان لم يكن بحاجة لإعلام مواز يطبل له ولمرتزقة لتسويقه ضد تلك الحملة الشرسة. من دافع عنه كانوا هم السعوديين بأسمائهم ووجوههم الصريحة.
كما لم يعرفوا ماذا يعني الأمير محمد بن سلمان للمرأة السعودية؛ فما تناله اليوم من حرية ومن مكانة ومن حقوق لم تكن لولا الإرادة القوية لولي العهد السعودي الذي حمل على عاتقه مسؤولية هذه النقلة وبذل الكثير من أجل تحقيقها.
صعب أن تفصل الآن بين طموحات الشعب السعودي وأحلامه وبين الأمير محمد بن سلمان، أصبح الاثنان واحداً ومن يحاول أن يدق إسفينا بينهما فسيكون خصماً للاثنين، لذلك كان السعوديون رافعة للأمير محمد بن سلمان محلياً ودولياً.
جميع الاعتبارات غابت عن من خطط لتلك الحملة رغم ضخامة تمويلها وشراستها ففشلت فشلاً ذريعاً.