بقلم : سوسن الشاعر
عملان يعرضان في تلفزيونات الخليج؛ الأول مسلسل درامي سعودي «العاصوف»، بطولة ناصر القصبي، يتناول قصة تدور أحداثها في الرياض في بداية السبعينات، ويناقش الظواهر الاجتماعية والمتغيرات التي طرأت عليها، والثاني برنامج حواري يعرضه تلفزيون أبوظبي، يتناول قراءة مغايرة للنص القرآني وللنتاج الفكري البشري التاريخي الذي تناول النص القرآني وما كتب حوله.
العملان لقيا هجوماً واعتراضاً وردات فعل قوية، وطالب البعض بوقف عرضهما، رغم أن «العاصوف»، يعرض على قناة «إم بي سي»، والبرنامج الحواري، يعرض على قناة «أبوظبي»، ما زالا مستمرين؛ وتلك جرأة تحسب للإعلام العربي.
الكثير رأى في هذين العملين تطاولاً على ثوابت راسخة في الوجدان العربي والإسلامي؛ الأول هو الصورة الراسخة في الوجدان السعودي عن مجتمع الرياض، كمجتمع محافظ خالٍ من الظواهر السلبية، لكن العمل الدرامي يظهر جانباً آخر لتلك الصورة الثابتة، فيهزها ويعيد النظر في المتعارف عليه. أما البرنامج الحواري، فيظهر زوايا جديدة للنص القرآني يجهلها المتلقي، ويطرح كثيراً من الأسئلة حول النتاج الفكري الذي ثبت في وجداننا لتفسيرات متفق عليها للنص القرآني. وسنحسن الظن بكل من دق ناقوس «الخطر»، خوفاً على تاريخ الرياض من مسلسل «العاصوف»، أو من هاج وماج محذراً من برنامج لقاء مع محمد الشحرور، إذ لامس كلاهما سقفاً عالياً في الطرح، مع ما وضعناه نحن في إطار الثوابت، وهذا هو بيت القصيد الذي يقوم عليه العملان الإعلاميان: إعادة النظر في معاييرنا لما اعتبرناه ثابتاً وهو قابل للتغير، وفتح باب النقاش حولهما.
لست مع من يهاجم المعترضين على هذه الأعمال التلفزيونية، واتهامهم بأنهم بقايا الصحوة وفلولها، وأنهم يخشون على مكانتهم ومواقعهم التي بنيت كحراس لتلك الثوابت؛ لنحسن الظن في دوافعهم لأننا جميعاً نتمسك بهذا الدين، ونتمسك بالقيم الإنسانية التي بنيت عليها أعرافنا وتقاليدنا، إنما الفرق أن المؤيدين لطرق الأبواب المغلقة لا يخشون على دين كالإسلام، لديه من القوة والمنعة والحصانة ما يكفيه لحماية نفسه من نقاش وحوار، أياً كان سقفه، ولا يرى في نوازعنا الإنسانية التي بنيت عليها أعرافنا ضعفاً وهشاشة، بحيث يهزهما حوار أو عمل درامي.
الأمر الثاني في المختلفين بين مؤيد ومعارض أن من يؤيد هذه الأعمال يرى أننا تجمدنا وتأخرنا وتراجعنا وأصبحنا صفراً على الشمال كمجتمعات، بعد أن اتسعت دوائر «ثوابتنا»، حتى أصبح نتاجنا البشري، وأصبح تاريخنا الإنساني، مقدسات يجب ألا تناقش، أو حتى يثار حولها استفسار. وهذه الأعمال تطرق أبواب ما اتخذناه معياراً للقداسة، لتعيد النظر فيها، تطرح الأسئلة حول مسطرتنا في تحديد الثوابت، والأهم أنها تفتح الحوار بكل تلاوينه حول طرحها، ولا تصادر رأياً مخالفاً، فلا يأتي المؤيدون لتلك الأعمال ويتهمون من عارضها اتهامات قمعية، ليصادروا رأيهم هو الآخر.
إن أجمل ما تخلقه هذه الأعمال، سواء كانت دراما أو برنامجاً حوارياً، أنها تفتح باب الحوار، وتشجع عليه، فمن خالفها فالباب مفتوح له ليدافع عما يراه ثابتاً، ومن رأى أن الثوابت لا تتسع إلى هذا الحد، بل تضيق، وأن أغلب ما يعرض للنقاش قابل للتغير، فليدافع عن وجهة نظره، والمنصات موجودة بلا قيود، وهذا بحد ذاته مكسب، وهدف تسعى له تلك الأعمال، فلا يأتي المزايدون من المؤيدين لينسفوا الهدف الأساسي من طرق تلك الأبواب.
نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع