بقلم - سوسن الشاعر
ما مرت به المملكة العربية السعودية (عاصوف) سياسي هدفه النيل من السعودية بلا مواربة وبلا تغليف، لو لم تكن قصة خاشقجي لبحثوا عن قصة أخرى قميصاً لعثمانهم. عاصوف قاده تيار يساري غربي، وأدواته حكومات وأحزاب سياسية حرّكت فيه ماكينة إعلام دولية ليس لها مثيل، ومنظمات عابرة للحدود حقوقية وغير حقوقية، وشركات ورؤوس أموال. حملة تضافر فيها الخصوم مع هذا التيار، كإيران وقطر بأموال ودعم لوجيستي على أعلى مستوى. وتضافرت في إشعال وزيادة وتيرتها ظروف انتخابية، استُغلت فيها قصة سعودية لإحراج الخصوم السياسيين المتحالفين مع المملكة العربية السعودية.
فلم تشهد المنطقة من قبل (عاصوفاً سياسياً) ضد دولة عربية كهذا الذي يجري، حتى ذلك الذي ثار على مصر معترضاً على ثورة 30 يونيو (حزيران) للإطاحة بحكم الإخوان، لم يكن بهذه القوة، وهذا التدفق وهذا التركيز. كانت موجة تسونامي ثانية عالية بحجم علو المملكة العربية السعودية وعظم شأنها... ومع ذلك فشلت؟
وفي لقاء الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات في المملكة العربية السعودية الأسبق، مع صحيفة «واشنطن بوست» يوم الخميس، أشار إلى أحد عناصر الفشل لهذه الحملة الشعواء، وكيف أن محاولاتهم لإضعاف الأمير محمد بن سلمان أتت نتائجها عكس ما يشتهون، فزادت من شعبيته، وتفصيلاً قال «إنه إذا تم إجراء استطلاع لآراء السعوديين اليوم سيكون الأمير محمد بن سلمان أكثر شعبية مما كان عليه منذ أسبوعين مَضَيَا... وذلك بسبب شعور السعوديين بأن قائدهم يتعرض ظلماً لهجوم من وسائل الإعلام الغربية؛ وذلك ينطبق على العائلة الحاكمة أيضاً؛ فهم يشعرون بأن هذا الهجوم يأتي ضد السعودية والعائلة الحاكمة، وليس محمد بن سلمان فحسب».
وأضاف: «إن الأشخاص الذين يعتقدون أن ثمة تغييراً في السعودية، هم مخطئون»، وأن «السعوديين باتوا أكثر دعماً لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسبب تعرضه لهجمات من الإعلام الغربي».
أحد أعقد العوامل التي تحول بين فهم كثير من أهل الغرب للشعوب الخليجية هو عجزهم عن فهم طبيعة العلاقة التي تحكم الشعوب الخليجية وتنظمها بينهم كشعوب، وبين الأسر الحاكمة في دول الخليج العربي، ملكيات كانت أو مشايخ أو إمارة فـ«البيعة» واحدة.
و«البيعة» تقليد وعرف عربي قديم موجود قبل الإسلام، يقلَّد فيه الحاكم ويبايَع على السمع والطاعة والحاكم على خدمة الجماعات التي تقلِّده البيعة، وجاء الإسلام وأقره كنظام وعقد سياسي يرتب العلاقة بين الحاكم والمحكوم. ومن تقاليد العربي أنه لا يمكن أن يقبل أن ينقض هذه البيعة أيُّ طرف خارجي، فالبيعة «تصويت» حسب المصطلح الديمقراطي الغربي يعطي الصلاحية للحكم، مقابل شروط والتزامات تشبه كثيراً يوم القسم عند فوز الرؤساء، ولا يجوز لغير الاثنين (الحاكم والمحكوم) نقضه.
فكيف إذا شعر العربي بأن هناك ظلماً وقع على الحاكم وأن الظالم طرف أجنبي! حينها تبرز قيمة أخرى من القيم العربية التي يجهلها الغرب عنا كذلك، وهي «الفزعة» التي هي عبارة عن دفاع جماعي يتداعى له الأفراد من دون منادٍ، بل يتم بتلقائية وعفوية تدفعه قيم كالشهامة والنخوة والانتصار للمظلوم، وهذا ما قام به الشعب السعودي ومعه الشعوب الخليجية والعربية، بالفزعة لمحمد بن سلمان والفزعة للسعودية كدولة.
الشعور بالظلم، والتدخل الأجنبي الفاقع، وقوة عقد «البيعة» بين الشعب السعودي والأسرة حرّكت هذه الفزعة لحماية النظام، وحالت دون نجاح أكبر حملة على مر التاريخ مرت بها الأسرة الملكية السعودية.
سبق أن كتبت مقالاً عن استدراك مؤسسة استشارية عريقة وهي «راند» في إحدى دراساتها التي قدمتها عن أسباب فشل امتداد موجة الربيع العربي إلى دول الخليج، في مقال بعنوان «الماغنا كارتا الخليجية» في جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 11 ديسمبر (كانون الأول) 2016، ذكرت فيه أن «راند» أقرت بخطئها عام 2015 حين صمدت هذه الدول أمام تسونامي «الربيع العربي» الذي أسقط دولاً كانت قبضتها الحديدية شديدة، ومع ذلك أُطيح بها، وصمد الخليج، لذلك تداركت مؤسسة «راند» خطأها، فقالت في دراستها الأخيرة: «اتضح أن لهذه الدول عمراً افتراضياً أطول مما توقعنا، وربما أن للمال سطوة... قلَّلت من حجم التذمر والتمرد، فلم تصل موجات الارتداد لمنطقة دول مجلس التعاون»، ثم أضافت على هامش دراستها: «وربما لأننا لم نأخذ في الاعتبار المقومات (الاجتماعية) التي تحدد طبيعة العلاقة بين تلك الأنظمة والشعوب في هذه الدول!» انتهى.
وها هو هذا التيار اليساري الغربي المندفع يرتكب الخطأ نفسه للمرة الثانية، خطأ الجهل بنا وعدم فهمنا فترتدّ عليه نيرانه، محدداً موقعه بنفسه منا كشعوب عربية، خصماً وعدواً هو وإيران معاً!
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع