توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع الهويات... فرنسا مثالاً

  مصر اليوم -

صراع الهويات فرنسا مثالاً

بقلم: سوسن الشاعر

في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا فرض إلزامية التعليم منذ سن الثالثة، يوجد حوالي 50 ألف طفل فرنسي يمتنع أولياء أمورهم المسلمون عن إرسال أبنائهم للمدارس، بحجة أن تلك المدارس مختلطة، وذلك على الرغم من قرار فرنسا تخصيص 10 ملايين يورو لتمويل مجهودات مؤسسة «إسلام فرنسا»، للتعريف بالثقافة الإسلامية، عبر إنشاء المركز العلمي للدراسات الإسلامية، في محاولة لمحاربة فرنسا التدخلات الأجنبية التي تأتي عن طريق تمويل جمعيات الجالية المسلمة، نظراً لتعدد التمويلات الخارجية من دول المغرب العربي وتركيا ودول الخليج للعديد من الجمعيات الدينية.
أيضاً حثت باريس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية على الإسراع في مشروع تكوين الأئمة وتأهيلهم في فرنسا بشكل يتوافق مع ثوابت الجمهورية والعلمانية، لتقوية هيمنة هذا المجلس على ملفات الجالية المسلمة، وكذلك بهدف التضييق على مبادرات بعض الدول التي ترسل أئمة مساجد إلى فرنسا، بلغ عددهم 300 إمام مكلفين إمامة الصلاة وتعليم القرآن واللغة العربية والمبادئ الإسلامية، وجمع الزكاة.
الجدير بالذكر أنه يوجد في فرنسا حوالي 2260 مسجداً، معظمها ليست من المساجد بالمعنى المعماري للمصطلح، إذ يوجد 60 مسجداً فقط تعلوه مئذنة.
في الواقع، تحتوي غالبية هذه المساجد على مراكز ثقافية بسيطة وقاعات للصلاة للرجال، وأخرى مخصصة للنساء، وتحصل تلك المراكز على تمويل من الدولة، باعتبارها مؤسسات مدنية ذات طابع اجتماعي.
القصة إذن لا تبدأ من رسم الكاريكاتير المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، بل تبدأ من مواجهة «الدولة» الفرنسية مع «الأقليات» في محاولة لتحديد الخطوط الفاصلة بين هويتها الخاصة، وهوية الدولة من خلال منظومة القوانين التي تسعى للحفاظ على الدولة بهويتها وجوهرها.
رسمة الكاريكاتير وتصريح ماكرون الذي دافع فيه عن مبدأ «حرية التعبير» في القانون الفرنسي جزء من الحدث الكلي وقطعة من الأحجية، إنما نجحت في جذب الأضواء لزاويتها، تاركة بقية الصورة في ظلام دامس، ولم تسنح لنا الفرصة لرسم الصورة كاملة بسبب الضجة التي تسببا فيها.
غالبية المسلمين في فرنسا يمارسون عباداتهم بحرية تامة، وتحت رعاية الدولة وحمايتها، ويتمتعون، كما غيرهم بالنسبة لدور العبادة بتمويل من الدولة، أين المشكلة إذن؟ المشكلة - بعيداً عن الرسم الكاريكاتيري وتصريح ماكرون - موجودة في أقلية مسلمة متشددة ضمن الخمسة ملايين مسلم فرنسي لا تزيد، وفقاً للمركز الفرنسي للديانة الإسلامية، عن 10 في المائة من مجموع المسلمين الفرنسيين. هذه المجموعة لا تريد أن تعترف «بالدولة»، ولا بقوانينها، ولا بمؤسساتها، وعقيدة هذه المجموعات هي مشكلتهم حتى في دولنا العربية والإسلامية، فهذه المجموعات التي تتبع مرشداً عاماً أو مرشداً أعلى تعيش صراع الهويات في أقوى صوره، فلا هي تقر بالتزامات الهوية الوطنية حيثما تقطن بل تريد أن تتمتع بكافة حقوق هذه المواطنة، فلا هم يريدون الالتزام بنظام الدولة التعليمي، أو الالتزام بأي قانون ينظم العلاقات بين المواطن والدول الأجنبية.. إنهم يريدون انعزالاً وانفصالاً واستقلالاً ذاتياً، وهذا نهجهم، لا في فرنسا فحسب، بل في كل دولة يوجدون فيها، سواء كانت تلك الدولة عربية أو مسلمة أو أوروبية. هم يتبعون مرشدهم أياً كانت جنسيته، ولا يتبعون دستور دولتهم، وتعمل تنظيماتهم على عزلهم عن الدولة، وانفصالهم عنها، وتهيئ لهم المراكز التي تديرها بديلاً يستقون قوتهم منها.
حين صرح ماكرون عن خطته لمواجهة هذه الأقلية كان ذلك بتاريخ 2 أكتوبر (تشرين الأول) كواحدة من أهدافه الانتخابية، ولكن حدث أن قتل المدرس بعد أسبوعين، حينها أعلن ماكرون تصريحه الثاني في 21 أكتوبر مدافعاً عن خطته وبرنامجه في حفظ «الهوية الفرنسية» من العبث بها مستخدماً - لسوء حظه - مثالاً هو في الأصل مختلف عليه حتى في الداخل الفرنسي، حين وضع مبدأ «حرية التعبير» امتحاناً لبرنامجه في الحفاظ على الهوية، واختار موضوعاً جدلياً، بل ومثالاً سيئاً، وهو الكاريكاتير المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم!!
الجدل الفرنسي قديم حول «حدود حرية التعبير»، والخطوط في هذه المسألة متعرجة وضبابية، وليست واضحة، ولا متفقاً عليها، ومثلما هناك مدافعون عن إزالة تلك الحواجز من الفرنسيين، هناك مدافعون فرنسيون عن عدم التعرض لثقافات الآخرين، ومعتقداتهم، وأن الإساءة لها مرفوضة، ولا تعتبر ضمن الحريات، بل الجدل كان محتدماً في فرنسا حول الإساءة للرموز الدينية تحديداً في ثقافة الآخرين، إن كان يقع ضمن هذه الحريات أم لا، فجاء تصريح ماكرون المنحاز لأحد أطراف الجدل، وحول بذلك معركته الفرنسية إلى معركة عالمية!!
صراع الهويات إذن معركة أوروبا القادمة، لا بين الهويات الانفصالية والهويات الوطنية، بل هي في الداخل الأوروبي بين تيارات يمينية ويسارية تختلف على مهددات الهوية الوطنية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الهويات فرنسا مثالاً صراع الهويات فرنسا مثالاً



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon