بقلم: سوسن الشاعر
لا أحد يستطيع أن يجادل في أن النموذج الصيني أو «التجربة» الصينية قوة عظمى تتقدم لتشكل قطباً ثنائياً ينافس أو على الأقل يهدد انفراد النموذج الغربي الأحادي الذي قاد العالم لأكثر من أربعة عقود.
و«شوي تشينغ قوه بسام» دبلوماسي صيني سابق وبروفسور في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين كتب مقالاً في جريدة «الشرق الأوسط» يوم الأربعاء الماضي عنوانه «النموذج الصيني يأتي في المستقبل» يقول: «إننا في الصين لسنا سوى (تجربة) ولسنا (نموذجاً) وربما سنصبح نموذجاً في المستقبل»!
طبعاً هذا (التواضع) في الخطاب هو ذكاء دبلوماسي صيني في مخاطبة القارئ العربي الذي ضاق ذرعاً بأسلوب الغرب، خصوصاً «اليسار» المتسلط على العالم، لفرض نموذجه بالقوة وبالإجبار، فيقدم تشوي تشينغ قوه بسام الصين كبلد قوي، لكنه متواضع، يجرب ويحاول ولا يؤمن بتكرار النماذج أو استنساخها حتى على نفسه فما بالك على الآخرين ، مما يطرب الأذن العربية كثيراً.
بالنسبة لنا في العالم العربي، والخليجي منه تحديداً، نرى أن تلك الثنائية القطبية الغربية الشرقية، تأتي لصالحنا، فلا تنفرد أيٌّ من القوتين وتتسلط علينا، بل دائماً ما يكون لدينا الخيار في الانتقاء، ووجود البدائل عامل يجير لصالحنا، أو هذا هو المفروض!
ولن ندخل في جدلية المفاضلة بين القطبين؛ هل الصين نمر من ورق أم قوة عظمى حقيقية؟ والغرب هل هو خالٍ من التعقيدات والمشكلات والصراعات ومستقر أكثر من الصين؟ وأيّ التجربتين أو النموذجين أفضل لقيادة العالم؟ ما يهمنا هو كيف لنا أن نستفيد من هذه الثنائية بما يخدمنا، مع كل الأريحية في الخيارات بلا التزامات عاطفية أو جبرية. وما يهمنا أكثر أن هذا التنافس بين القطبين لا يكون على حساب أمننا والأمن الدولي بشكل عام.
في ظل هذه التساؤلات تسعى الصين لاستغلال الثغرات الأميركية والاستفادة من أخطائها ومن أي انكفاء في أي منطقة تتركها تلك القوة الأحادية القطبية، وهذا ما فعلته مع إيران مؤخراً، ضاربةً بعرض الحائط الدعوة الأميركية لحظر بيع السلاح والعقوبات الاقتصادية عليها.
فتقوم الصين (التجربة) بإلقاء طوق النجاة ومد أنبوب الأكسجين لنظام إرهابي خطير في لحظة حرجة وتتفاوض مع طهران في اتفاق سيستمر لمدة 25 عاماً، إن تحقق، لتعميق التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين.
ففي تقرير بعنوان «التحالف الصيني الإيراني» نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» بتاريخ 17 يوليو (تموز) جاء التالي: «في مقابل ما قد يُستبعد من النفط الإيراني، يمكن للصين أن تستثمر نحو 400 مليار دولار في عشرات المشاريع الصناعية على مدى ربع قرن. وبالإضافة إلى بناء المطارات والسكك الحديدية، يمكن لبكين أن تحصل على معاملة تفضيلية في الموانئ الإيرانية وتطوير مناطق التجارة الحرة في جميع أنحاء البلاد. وقد يعمل النظامان معاً على تطوير الأسلحة مع تعميق العلاقات العسكرية الأوسع نطاقاً».
تلك الاتفاقية ليست انتصاراً صينياً على الولايات المتحدة كما تظن بكين، بل هي هزيمة للأمن الدولي ولمكافحة الإرهاب ترتكبها الصين (التجربة) في حق العالم وفي حقنا كدول خليجية بمنح هذا النظام فرصة كي يلتقط أنفاسه ويستمر في جرائمه وطموحاته التوسعية ضدنا وضد الأمن في المياه الإقليمية الدولية.
إن كانت الصين تدّعي كما جاء في مقال تشوي قوه بسام أنها دولة لا تريد أن تكرر فشل النموذج الغربي في تسلطه كما ذكر «فشل النموذج الغربي المفروض بالقوة أو بإغراءات مادية على دول عديدة في العالم، منها بعض الدول العربية، ومثال على ذلك الوضعُ المأساوي للعراق (النموذج الديمقراطي للشرق الأوسط الكبير) على حد تعبير الإدارة الأميركية في أيام بوش الابن. كما أنَّ الأنظمة العربية الديمقراطية التي أوصلها الربيع العربي إلى سدة الحكم لم تحقق النجاح المرجوّ من الشعوب العربية. وهي حقيقة قد يوافق عليها الجميع في العالم العربي وخارجه». انتهى.
فإن كانت الصين تخاطبنا بهذا المقال فإن تلك الاتفاقية ما هي سوى دعم ومساندة ستسهم في غرق العراق وتدميره ذلك الذي يتباكى عليه تشوي قوه بسام، وتدمير كذلك للبنان وسوريا واليمن وتهديد لدول الخليج ببقاء هذا النظام الإيراني المصرّ على سياسته الإجرامية التوسعية، فتلك الاتفاقية لن تهدد دول الجوار الإيراني فحسب بل ستهددنا ما دامت تُمد المساندة والعون لهذا النظام.
أعتقد أننا كعرب بحاجة إلى إقناع العالم، والصين تحديداً، بأن العقوبات الاقتصادية على إيران وحظر بيع الأسلحة لها ليست مصلحة أميركية ولا قراراً أميركياً حتى يكون الانعتاق من التسلط الأميركي هو العنصر أو العامل الوحيد الذي يحرّك القرارات المنافسة، فتختار الصين أن تنفتح على النظام الإيراني مجازفةً بتهديد الأمن الدولي لا الأمن في دولنا الخليجية فحسب.