توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استثمار الصحوة الفرنسية

  مصر اليوم -

استثمار الصحوة الفرنسية

بقلم: سوسن الشاعر

فرنسا تبيع السلاح لمصر وتؤكد أنها لن تربط بيع السلاح بملف حقوق الإنسان كالسابق! تذكرتُ تقارير البرلمان الأوروبي أو تقارير الخارجيات الأوروبية وهي تصدع رؤوسنا بهذا الملف وتربطه بحقوق الإرهابيين الذين تصنفهم على أنهم «ناشطون» وتُبدي قلقها على إنفاذ القانون عليهم، وتمنع عنّا بعض الصفقات إلى أن نقوم أو نعدّل أوضاعنا الحقوقية!
ما الذي حدث إذاً في فرنسا؟ ما الداعي لهذا التغيير الاستراتيجي الكبير؟ فرنسا هي فرنسا، واليسار هو اليسار، وملفات حقوق الإنسان كانت لها الصدارة دوماً في أجندتها، ومصر هي مصر، والدولة المصرية هي الدولة المصرية، ما الذي حدث إذاً وجعل الرئيس ماكرون يصرّح بذلك التصريح ذي الدلالات الكبيرة، بأن فرنسا لن تربط علاقاتها بأي دولة بناءً على ملف يعد من أهم ملفات اليسار ألا وهو «حقوق الإنسان»؟ إذ قال ماكرون في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس المصري الزائر عبد الفتاح السيسي: «أعتقد أن تبنّي سياسة حوار أكثر فاعلية من تبني سياسة مقاطعة قد تنال من قدرة أحد شركائنا على مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي». فهل تغيَّر مفهوم الإرهاب بعد أن طالهم في فرنسا؟
لطالما عانت مصر، وعانينا نحن في البحرين، من الفهم اليساري الأوروبي لحقوق الإنسان، ولطالما دعمت أوروبا جماعات راديكالية ومتطرفة انفصالية في دولنا بسبب استيائها من إنفاذنا للقانون عليهم، وكانت تعد قوانيننا تعسفية وممارساتنا قمعية ضدهم، وتعدّ عناصر تلك الجماعات المتطرفة ناشطين حقوقيين.
هذا التغيير ليس انتصاراً لمصر فحسب بل هو وعي فرنسي جديد بواقع لم تشأ أن تُقره وتعترف به سابقاً، بأن الجماعات المتأسلمة ومنها «الإخوان المسلمون» جماعات إرهابية خطرها وصل إلى فرنسا لا إلى مصر فحسب، حينها فقط انتبهت فرنسا إلى أنّ من تؤويهم وتدافع عن «حقوقهم» هم جماعات انفصالية تلجأ إلى العنف لفرض عقيدتها، وتنازع بهويتها الهويات الوطنية، وتصرّ على خلق دولة داخل الدولة.
الآن فقط اقتنعت بما تفعله مصر مع هذه الجماعة بعد أن جرّبت أن تضم هذه الجماعة داخل جناح الدولة الفرنسية وفشلت، حين حاولت أن تفرض عليها الهوية الوطنية خصوصاً أنها منحتها الجنسية الفرنسية وحقوق المواطنة كافة، لتفاجأ بأن تلك الجماعة ترغب في التمتع بكل امتيازات المواطنة لكنها ترفض تقديم الالتزامات تجاهها، فانتبهت إلى ما كنّا نقوله طوال هذه الفترة، من أن ما تقوم به كل الجماعات الدينية التابعة لمرشد عام أو مرشد أعلى هو انفصال وعدم انصياع للدولة وقوانينها والانخراط في نسيج هويتها، فلتلك الجماعات إطارها الخاص الانعزالي والانفصالي عن «الدولة».
لنصل نحن وفرنسا إلى قناعة بأن تلك الجماعات تشكل خطراً كبيراً على كيان أي دولة، وهذا ما تعانيه مصر مع جماعة الإخوان المسلمين وهو ذاته ما تعانيه البحرين ولبنان والعراق واليمن من الجماعات الأخرى بتبعيتها لمرشدها الديني الأعلى، فهي ترفض الإقرار بهوية الدولة التي تنتمي إليها ولكنها تريد أن تتمتع بكل حقوقها. مشكلتنا مع تلك الجماعات بنسختيها الشيعية والسُّنية هي ذاتها التي تواجهها فرنسا الآن مع الجماعات الانفصالية.
الصحوة الفرنسية هي التي يجب أن نبني عليها. نحن بحاجة إلى التحرك أوروبياً مثلما فعلت مصر للتواصل مع اليسار الأوروبي لنستثمر في وعيه المتأخر؛ تواصُل على مستوى الأحزاب والإعلام والمنظمات المدنية أكثر منه تواصلاً مع الحكومات فحسب. نحن بحاجة إلى لفت انتباه الفكر التعميمي اليساري الساذج حول «اعتدالية» الجماعات الدينية، والتنبيه بخطورة التساهل مع ما تقوم به إيران وتركيا من رعاية لتلك الجماعات، فتلك مسألة خطيرة على أمن أي دولة، وما تعاني منه فرنسا الآن بعد أن ربّت هذه الوحوش في عقر دارها هو ما ستعانيه كل الدول الأوروبية، فمحاصرة هذه الجماعات في الدول العربية سيجبرها على التحرك أوروبياً بعد أن عجزت عن تنفيذ مشروعها الإرهابي عربياً.
لقد استغلت تلك الجماعات هذا الفكر اليساري أسوأ استغلال لصالحها ولتعزيز مواقعها داخل الدول الأوروبية، فاستغلت الانفتاح والحريات والحقوق ومبادئ دعم الأقليات واللاجئين كي تؤسس لها كياناتها وكنتوناتها الخاصة.
قد تكون معركة «الهوية الفرنسية» أولى جولات المواجهة معها، إنما بالتأكيد لن تكون الأخيرة، وهنا يأتي دورنا في توظيف هذا الوعي الأوروبي المتأخر لصالح أمننا واستقرارنا، وما فعلته مصر علينا أن نوظّفه ونبني عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استثمار الصحوة الفرنسية استثمار الصحوة الفرنسية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon