بقلم: سوسن الشاعر
حين ذهبت لأخذ اللقاح ضد «كورونا»، كان طابور الانتظار طويلاً في المركز الصحي وحافلاً بالعمالة الآسيوية، فقد شكلوا ما يقارب الـ40 في المائة أو أكثر من طول الطابور، إذ إنه في هذا اليوم تطعم 12 ألف فرد، 4800 منهم أجانب.
وقفت أنتظر دوري، وأمامي عدد من العمالة الآسيوية سبقوني في الطابور، وتساءلت وأنا أشاهد هذا المنظر الذي يجسد القيمة الحقيقية للقيم الإنسانية الأصيلة، حيث يتساوى الإنسان هنا في بلدي البحرين، من دون النظر لجنسه ولونه وعرقه وجنسيته، حتى من دون النظر لكونه مواطناً أو مقيماً، وأياً كانت صفة إقامته، وتساءلت هل من يمسك بميزان الحقوق في المنظمات الدولية ووزارات الخارجية والاتحادات الأوروبية، ويكتب عنا تقارير تقيّم درجة اهتمامنا بالحقوق الإنسانية، هل يرى هذا المنظر؟ هل يوجد في بلاده أصلاً مثل هذا التطبيق العملي لمعنى «البشر سواسية كأسنان المشط»؟ هل يراني وأنا المواطنة أنتظر دوري بعد عامل آسيوي سيأخذ اللقاح قبلي، وسيكلف دولة ليست دولته، وربما لن يبقى فيها، مبلغاً قدره 40 دولاراً، كفلته له دولتنا من دون مَن ولا أذى، بل من دون حتى أن يطلب منها ذلك، أو تكون ملزمة بذلك؟
هل يعلم من يتحدث عن ملف حقوق الإنسان في البحرين، أن مملكة البحرين ستصرف على أفراد يفوقون عدد مواطنيها بمرة ونصف المرة، لتطعيمهم ضد «كورونا»؟ بل وصرفت مثل ذلك على فحوصاتهم، وعلى علاجهم، وعلى إيوائهم، وعلى إطعامهم، وعلى توفير «الواي فاي» لهم في مراكز الإيواء مثلهم كالمواطنين سواسية؟
حين قررت مملكة البحرين أن التطعيم مجاني لكل مواطن ومقيم على أرضها، وهي الدولة المحدودة الموارد، وجسدت قيمة للإنسان أرفع من هذه التي لن تجد لها مثيلاً في دولة تحمل مساطير الحقوق، وتقيس بها مسافات الارتفاع والانخفاض في الدول الأخرى كالتي تجلس فيها وتحارب وطنك من على أرضها؟
أم أن هذه المنظمات الدولية التي ترفع سيفها في وجوهنا فالحة في تتبع أخبار من يصنعونهم من «الدمى» الحقوقية، ويقررون من خلال حرياتهم التي يريدونها بلا ضوابط إن كنا نراعي حقوق الإنسان أم لا؟
تعاملنا الإنساني مع العمالة الأجنبية خلال جائحة «كورونا» ما هو سوى مؤشر واحد فقط من عدة مؤشرات أخرى، تقيس بشكل جلي من خلالها حقيقة وأصالة قيمة الإنسان وحقوقه وحرياته في مملكة البحرين، على سبيل المثال، ورغم كون البحرين من الدول المستهدفة في التقارير الحقوقية الغربية، إلا أن الاعتبارات الحقيقية للقياس لا تؤخذ بعين الاعتبار بقدر ما تحرص تلك التقارير على انتقائية المؤشرات الحقوقية بشكل يجردها من مصداقيتها، وأمانتها، وحتى دقتها التي من المفروض أن تنتهج المعايير العلمية الرصينة؛ حيث تحفل التقارير بإشارات سلبية لمتابعة حالات فردية ومصادر معلوماتها أحادية، وتتغاضى، وتتعامى عن قصد، وترصد الحالة العامة التي تبين أن دولة عربية شرق أوسطية كالبحرين يتمتع فيها الإنسان بحقوق فاقت بكثير ما تمنحه دولهم للإنسان.
فلا يوجد مشردون ولا ساكنون للخيام ولا جائعون، ولا تجد حتى أجنبياً في دولنا يمد يده، فقد حرصت البحرين على أن تكون لها الصدارة في مكافحة الاتجار بالبشر حماية لهذه العمالة، وأزالت قيد الكفيل منذ سنوات عديدة، ومنحته تأشيرة مرنة يستطيع من خلالها أن يختار العمل الذي يريده، وله حرية التعبد، وفق ديانته وطقوسه، واحتفالاته علنية، بل يحضرها مسؤولون من الدولة دلالة على احترام المعتقدات وحرية الفكر في هذا البلد، ثم يأتيك تقرير غربي يتحدث عن تقييد حرية (الناشط) الفلاني و، أو، منع إقامة دار عبادة والمقصود (المآتم) في المربع الفلاني، ودور العبادة المبنية أصلاً نصفها خالٍ، أو لا يرتادها أحد لكثرتها!
الجميل في هذه المسألة أن ورقة الابتزاز هذه ما عاد لها تأثير، وفقدت قوتها كورقة ضغط سياسي، لذلك نقول للفرحين بالمرحلة المقبلة ظناً منهم أنها ستعود بنا إلى عام 2011، وسترفع هذه الورقة مجدداً.. نقول لا تتحمسوا كثيراً، فقد تعلمنا الدرس، وهذا لا ينطبق على البحرين فحسب، بل ينطبق على دولنا المستهدفة، وعلى رأسها الدول الأطراف في الأزمة الحالية، وجميعها استوعبت درس الابتزاز الفاشل، وتجاوزته، خصوصاً في ملف حقوق الإنسان.