الولايات المتحدة وأوروبا مدركتان أن إيران وصلت إلى البحر المتوسط، وأن حكومات العراق وسوريا ولبنان رصفت الطريق لإيران للوصول إلى هذا الحد، إنما هل الجميع مدرك أن ذلك يشكل خطراً على مصالحهم القومية الأمنية منها أو الاقتصادية أو السياسية؟
تقول الباحثة حنين غدار من معهد واشنطن: «في أعقاب نجاحات إران في الحرب السورة، ستكون خطوتها التالة اختراق مؤسسات الدولة في العراق وسورا ولبنان. ومن دون اتخاذ الحكومة الأميركة إجراءات جادةّ لمواجهة الأنشطة الإقلمة الإرانة، فإن أي دعم دولي للبنان وسورا والعراق - ومؤسساتها المالة والعسكرة - قد ؤدي إلى دعم الملشات الشعة الإرانة».
الباحث الآخر الذي توصل إلى النتيجة ذاتها هو جاكسون دارينغ من معهد واشنطن، والاثنان يؤكدان أن أي دعم يقدم للبنان أو سوريا أو العراق الآن هو دعم يقدم لإيران باعتبار تلك الحكومات واقعة تحت النفوذ الإيراني.
الاثنان يتناولان الحقبة التي تلت انتهاء الحرب على «داعش»، وماذا سيحدث في تلك الدول بعد أن قضي على «داعش»، والاثنان اتفقا على أن إيران هي المستفيد الأكبر من تلك المرحلة، إذ بحجة قتال «داعش» وصلت القوات الإيرانية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط واستولت ميدانياً عبر الميليشيات، أو سياسياً عبر الأحزاب على القرار، وهذا ما حدث في لبنان وقد يحدث في العراق في الانتخابات المقبلة، حيث تستعد الميليشيات المسلحة إيرانياً لاستنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني بأن تؤسس لها أحزاباً سياسية تدخل بها السلطة التشريعية وتبقي على السلاح لتهديد بقية الأحزاب والدولة.
توماس فريدمان الكاتب الأميركي المعروف أكد في مقال له نشر الأسبوع الماضي أن سوريا مرشحة لأن تكون أخطر منطقة في العالم لأن السياسة الأميركية غير واضحة تجاهها ولأن اللاعبين الآخرين (روسيا وإيران) يهمهما أن يؤمنا مصالحهما فيها.
هل أي من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية يشعر بأن هذا الوجود الإيراني يهدد مصالحهما؟
نعم هم متفقون على أن الوجود الإيراني حدث بسبب «غباء» الإدارة الأميركية السابقة، التي ظنت أن الاتفاق النووي الإيراني سيجعل إيران تقيم علاقة طبيعية مع جيرانها تراعي الاتفاقيات والعهود الدولية، وأنه بفضل «الجناح المعتدل» الإيراني سيسود السلام في الشرق الأوسط!!
ولكن أياً منهما لم يتحرك بعد إلى الآن تحت ضغط الشعور بالخطر، ولا توجد لدى أي منهما استراتيجية شاملة تجاه هذا التمدد، بل نرى أن التعاطي مع الحكومة العراقية يختلف عنه مع الحكومة اللبنانية أو السورية.
الباحثة «غدار» تطالب الجميع بعد ثبات عدم واقعية هذه السياسية، ألا يعينوا أياً من تلك الحكومات الحالية في هذه الدول لأن ذلك يعني إعانة إيران، وتزيد أنه يجب أن تكون هناك استراتيجية واحدة للتعامل مع الميليشيات التي تدعمها إيران في تلك الدول الثلاث ومعهم اليمن، باعتبارهم جيشاً واحداً يقوده الحرس الثوري الإيراني، فجميع الميليشيات الشيعية المسلحة الموجودة في هذه الدول الأربعة الآن هي جيش إيراني بلا منازع.
نداؤها الذي وجهته للإدارة الأميركية ارتكز على أساس أن التهديدات التي دأبت الإدارة الأميركية على إطلاقها على إيران لم تؤتِ أكلها لأنها خالية من إجراءات وخطوات عملية، ولا يبدو في الأفق أن مثل هذه الاستراتيجية الشاملة موجودة لدى تلك الإدارة، أو حتى الدول الأوروبية التي تم تحييدها بعد أن أغرتهم إيران بصفقات تجارية أسالت لعابهم بعد فك القيود عنها. فحيدر العبادي يبدو عاجزاً عن وقف تحركات قاسم سليماني بين الحدود العراقية والسورية لتوحيد تلك الميليشيات العراقية مع تلك الموجودة في سوريا.
أضف لذلك، ووفقاً لليون هادار من صحيفة «ناشيونال إنترست» الأميركية 21 فبراير (شباط) فإن الكونغرس الأميركي لن يوافق على أي اقتراح يقود إلى حرب مع إيران، فما زالت متلازمة العراق وفيتنام حاضرة في أذهان الأميركيين، ومن الصعب إقناعهم بأي وجود لجنود أميركيين في منطقة الشرق الأوسط لحل أي صراع في هذه المنطقة.
أكد على ذلك الكولونيل المتقاعد لورنس ويلكرنسن الذي كتب مقالاً بعنوان «طريق مألوف للحرب» في صحيفة «نيويورك تايمز» شبه به حملة ترمب الأخيرة ضد إيران هي ذاتها التي قام بها جورج بوش قبل اجتياحه للعراق، واستبعد أن ينسى الأميركيون الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه بوش وتكراره مرة أخرى في الحالة الإيرانية.
بقي إذن لنا طريق واحد هو الاعتماد على أنفسنا في التصدي لطابور الخونة الذين باعوا أوطانهم لإيران ورهن أي تقارب أو مساعدة لأي من الحكومات الثلاث بما تقدمه تلك الحكومات لفك ارتباطها مع إيران، أما الاعتماد على الأميركان أو الأوروبيين فتضييع وقت تزيد فيه إيران تمددها في دولنا.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه