بقلم - سوسن الشاعر
متى ستقتنع الولايات المتحدة الأميركية بأن المملكة العربية السعودية لا تستجيب للإملاءات من أي كان؟ تلك قناعة لا بد أن تُنقل للناخب الأميركي لا للطبقة السياسية فقط، فلعلّ هذا الأمر لا يعود ورقة للمزايدات السياسية في الحملات الانتخابية كما جرت العادة.
والمعلوم أن السعودية سابقاً وحاضراً لم تكن تستجيب لأي ضغوط، لكنها لم تكن تظهر للعلن عدم استجابتها، تاركةً مساحة للمرشحين الرئاسيين الأميركيين لأن يزايدوا فيها كيفما يشاءون، حيث استخدمها بايدن واستغلها أسوأ استغلال.
الآن السعودية تنتهز كل مناسبة للتعبير عن عدم استجابتها للضغوط؛ إذ عبر كل مسؤوليها، وآخرهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي قال لوزير الخارجية الأميركي توني بلينكن بوضوح شديد لفت الانتباه إن «السعودية لا تستجيب للضغوط في مجال حقوق الإنسان»، ومن قبله كان قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز إن «المملكة لا تستجيب للضغوط في أي مجالات أخرى، بما فيها سوق النفط».
الضغوط في ملف حقوق الإنسان كانت عنواناً لفيلم طويل أُنتج بعدة نسخ، نسخته الأولى كانت سلسة أفلام رعب، حين كان الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، يلوح بهذا العنوان؛ فكانت تُوسَم دولنا بشتى أنواع الاضطهاد والقمع والانتقاص من الإنسانية وحقوقها، وننتظر سلسلة من الإجراءات والعقوبات معها تختلف المعاملة الدبلوماسية ويسلط الإعلام الغربي سهامه علينا، كما تعمل منظومة كاملة على الافتراء علينا وابتزازنا، بذريعة أننا لا نولي اهتماماً بالإنسان وحقوقه كما يدعون!!
النسخ الحالية من الفيلم يقع تصنيفها ضمن سلسة أفلام الخيال أو النسخ الكوميدية، بعد أن تكشفت لنا الحقائق، وشاهدنا بأعيننا كم نحن متقدمون جداً في تعاملاتنا الإنسانية مع أنفسنا ومع غيرنا من الشعوب وحقوقهم؛ فيحق لوزير الخارجية السعودي أن يقول لنظيره الأميركي: «بلدنا لا يستجيب للضغوط في مجال حقوق الإنسان».
فشتان بين مفاهيمنا للحقوق الإنسانية ومفاهيمهم؛ فنحن مفهومنا أكثر شمولية، ولا نجعل من هذه الحقوق ورقة سياسية نشتري بها الأصوات أو نبيعها، بل هي حقوق تشمل الصحة والتعليم والسكن والضمانات الاجتماعية، ولا يوجد لدينا مشردون وليس عندنا مَن يبيت في الشوارع.
أما ملف النفط، فلطالما ساهمت السعودية باستقرار أسعاره الدولية التي ساعدت الاقتصاد الأميركي في أسوأ ظروفه، وذلك طبعاً ليس استجابة لضغوط، إنما ينبثق من مفهوم السعودية للعلاقة والتعاون المشترك بين الدولتين، ما جعلها تنتج وفقاً للمصالح المشتركة للدولتين. بينما اليوم وحين اتضح أن تلك المفاهيم لا تقف على أرضية مشتركة في كثير من الأحيان بينهما؛ فلذلك تعد هناك أولوية أميركية على مصلحة المملكة التي هي من تحدد الأسعار وفقاً لرؤيتها الاقتصادية، كما أنها لا تستجيب لجميع تهديدات الإدارة الأميركية في هذا المجال.
ومن ناحية علاقات المملكة العربية السعودية الدولية، أكد الأمير فيصل خلال تصريح حدد فيه الأولويات وبوضوح شديد، إذ قال: «الصين شريك مهم»، وفي المقابل «سنواصل تعزيز علاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية كشريك مهم أيضاً»، فليس هناك من إملاءات ولا تدخل.
أي حديث عن الصين لا بد أن تؤطره مصلحة السعودية أولاً، لا المصلحة الأميركية، وهنا لا تتقاطع المصلحتان مع زمن الإملاءات والضغوط الذي انتهى.
وعلى أي طرف دولي يتعامل مع المملكة الآن أن يبحث عن المصلحة المشتركة إن وُجدت ويركز عليها فقط، وفي هذا مكسب للجميع وتوفير للجهود والوقت ومنفعة للشعوب.