بقلم: سوسن الشاعر
ما ميّز التجربة الخليجية عن التجربة الأوروبية في التعاطي مع وباء «كورونا»، هو أن دول الخليج سبقت الوباء واستعدت لأسوأ سيناريو قبل أن يصل إليها، على عكس ما فعلت دول أوروبا والولايات المتحدة التي تأخرت في البدء بسبب الاستهانة بالخطر وبسبب التكلفة العالية للإجراءات الاستباقية، في حين أن المعادلة الناجحة للتعاطي مع أي وباء هي «إن لم تسبق الوباء سبقك».
تجربة مملكة البحرين تستحق أن تُذكر، فهي ثاني دولة على مستوى العالم في نسبة التشافي ولله الحمد، وتأتي بعد الصين، حيث بلغت النسبة حتى هذا التاريخ 60%، في حين بلغت التشافي في الصين 93% ثم تأتي بعدها كوريا الجنوبية.
والسبب أن مملكة البحرين من أولى الدول التي استجابت للتحذيرات الأولية لمنظمة الصحة العالمية وبدأت استعداداتها قبل شهر من وصول أول حالة إلى أراضيها.
فمنظمة الصحة العالمية أطلقت تحذيرها الأول في 14 يناير (كانون الثاني) لمستشفيات العالم من ظهور الفيروس، وتضمن تحذير المنظمة احتمالات انتشار هذا الفيروس على نطاق أوسع من الصين.
وفي 27 يناير صدرت توجيهات ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، في جلسة مجلس الوزراء بسرعة توفير أجهزة الفحص المبكر للكشف عن فيروس كورونا (كوفيد - 19)، وهذا القرار دليل يؤكد أن الصحة محور أساسي ضمن برنامج عمل الحكومة، وتمثل وقاية المجتمع من الأخطار أولوية مستمرة.
وبعدها بأسبوع استقدمت البحرين خبيراً من منظمة الصحة العالمية هو البروفيسور جون آشتون، أحد أهم المختصين في الصحة العامة والوقاية الصحية في المملكة المتحدة، بوصفه المدير الإقليمي السابق للصحة العامة هناك والمسؤول الإقليمي الطبي السابق لشمال غربي إنجلترا ومدير مكتب الصحة العامة، فضلاً عن كونه أستاذاً جامعياً مختصاً في الوقاية الصحية.
إن أفضل تعبير استخدمه البروفيسور آشتون عن استعدادات البحرين لسبق الوباء هو ما سماها استراتيجية «غرفة الحرب» أي التعامل مع الوباء على أنه «حرب» وبحاجة لغرفة قيادة لخوض معركة البحرين معه.
الغرفة كانت بقيادة ولي العهد وبفريق يغطي كل الأجهزة الحكومية اللوجيستية التي تحتاج إليها الحرب على الوباء وبأسرع وقت.
وأشاد البروفيسور آشتون بدرجة الشفافية التي تمتعت بها حكومة البحرين لدى التعاطي مع المجتمع البحريني، حيث اجتمعت الحكومة مع مجلس النواب وعقدت المؤتمرات الصحافية من دون تأخير، لإطلاع البحرينيين بأي مستجد، وضمت المؤتمرات كل الجهات الرسمية ذات العلاقة، فكسبت ثقة المواطنين وكانت المصدر الوحيد للمعلومات، فلم تسمح درجة الشفافية هذه بانتشار الإشاعات. ووصف جون آشتون التجربة البحرينية بالنموذجية حيث «كانوا نظاميين، يستبقون الحدث، متابعين المستجدات». ثم أبدى إعجابه بسرعة الاستجابة لأي ملاحظة يبديها للفريق البحريني تشكل ثغرة في العمل النظامي. («إنترناشيونال وورلد» - 13 مارس/ آذار).
كما أشاد بإجراءات إدارة الصحة العامة التي تمثلت في إعداد تعميم ودليل إرشادي إكلينيكي للعاملين الصحيين بخصوص فيروس «كورونا المستجد»، وتمت تقوية نظام الترصد الوبائي للأمراض التنفسية الحادة في المستشفيات في البحرين من خلال إصدار التعاميم وزيارة مسؤولي الصحة العامة للمستشفيات، للوقوف على وجود حالات مشتبه بها بأمراض تنفسية وتسجيل هذه الحالات والتحري عنها قبل وصول الفيروس للبحرين.
ثم أشاد البروفيسور آشتون بالجرأة في تطبيق بروتوكول العلاج الذي استخدمته البحرين، والذي لم توافق عليه الولايات المتحدة وذلك بعد وصول أول حالة للبحرين وكانت في 24 فبراير (شباط)، والدواء استُخدم في 26 فبراير، في حين أن الولايات المتحدة أجازت هذا الدواء في شهر مارس الماضي.
جميع الاستعدادات البحرينية كانت مضاعفة كعدد على جميع التوقعات وأسوئها من حيث المحاجر وغرف العزل وغرف العناية المركزة وأجهزة التنفس.
أما إيطاليا، وهي الدولة الأوروبية التي أصبحت بؤرة الانتشار للوباء في أوروبا، فقد كانت حتى 27 فبراير غير مستعدة لتتعامل مع كورونا كوباء خطير، إذ كانت الوفيات 17 حالة فقط، وحينها أعلنت الحكومة الإيطالية الحجر الصحي على إحدى عشرة بلدة في الشمال، ولكن الذي حدث أن الحكومة لم تتشدد ولم تتعامل بحزم، بل إن زعيم الحزب المعارض نيكولا سنغاريتي قال للإيطاليين: «يجب ألا نغيّر عاداتنا وأسلوب معيشتنا، فاقتصادنا أقوى من الخوف»، وسافر إلى ميلانو وجلس في أحد المطاعم مع مجموعة من الطلاب ونشر صورته حاثّاً الإيطاليين على الخروج. وبعد عشر أيام فقط تغيّر الوضع وتوفي 233 إيطالياً، هنا فقط أفاقت إيطاليا من نومها بعد أن سبقها الوباء، ونشر سنغاريتي اعتذاراً ومعترفاً بأنه مصاب بالفيروس!
دول الخليج، والبحرين منها، استندت إلى قاعدة أن «الوباء كالسيف إن لم تسبقه سبقك»، وعملت على عدم التلكؤ بسبب الخوف من الخطأ، أو عدم التردد بسبب المقارنة بين تكلفة الوقاية العالية وتكلفة العلاج الأغلى، وأخيراً لم تضع الاقتصاد قبل الصحة، وهنا مربط الفرس.