بقلم: سوسن الشاعر
أعلن سفير جمهورية البوسنة والهرسك في طهران سمير فلاجيتش رغبة بلاده في تطوير العلاقات الاقتصادية والسياحية مع مختلف مناطق الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنها محافظة قزوين. وفي تصريح أدلى به لمراسل وكالة «إرنا» الخميس الماضي حين زيارته التفقدية لمعرض صناعة البناء في قزوين (شمال غرب)، قال فلاجيتش إن المعرض كان ممتازاً وكان يماثل إلى حدٍ كبيرٍ المعارض التي تقام في البوسنة.
وأضاف أن «طاقات محافظة قزوين في مجال صناعة البناء كانت لافتة بالنسبة لي»، وأعلن السفير البوسني استعداد بلاده لإقامة العلاقات وتطويرها مع محافظة قزوين في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية، ودعا إلى توظيف الاستثمارات المشتركة وتابع: «إننا على استعداد للتعاون الشامل مع هذه المحافظة»، وذلك حسب وكالة «إرنا» الإيرانية.
إيران تعمل ببعد استراتيجي على استقطاب نقطة ارتكاز قريبة من أوروبا، والبوسنة ذات الغالبية المسلمة واحدة من الدول التي انتبهت إيران لأهميتها الاستراتيجية، فاختارت إيران موقعاً لمركزها الثقافي في البوسنة في أهم موقع على الشارع الرئيسي في العاصمة سراييفو عند نصب «شعلة الشهداء» عند مدخل أهم شارع تجاري، أي أن جميع من يدخل السوق لا بد أن يمر عليه.. اختيار ذكي للإعلان عن نفسك.
محل صغير يبدو وكأنه معرض لبيع اللوحات والقطع الفنية وليس مركزاً تابعاً لحكومة أجنبية، محاولة ذكية لتجنب النفور التقليدي من أي موقع رسمي.
المكتب مضاء أربعاً وعشرين ساعة، ترى ما هو معروض في داخله في أي وقت تمر بجانبه، يبدو وكأنه معرض فني، والأهم اختيار نوعية الأعمال المعروضة، فاللوحات الفنية كلها تعود للفن الإسلامي في خطوطها ومنحوتاتها. توقعت أن أرى السجاد الإيراني مثلاً هو الأبرز، ولكن، ويا للغرابة، كانت هناك قطعة صغيرة لا تلفت الأنظار، الأهم كان التركيز على الجانب الديني للجمهورية الإسلامية في عاصمة تزيد نسبة مسلميها على 55 في المائة، وهم ما سعى الإيرانيون للتواصل معهم.
حين ترى المعروضات الإيرانية لا تملك إلا أن تقول: ما هذا الجمال وما هذا الذوق الرفيع؟ فما هذه الدولة المحبة للإسلام والمحبة للجمال والمحبة للفنون؟... باختصار هذا يعد ذكاءً لنيل الاستحسان، للفت الانتباه، ذكاء في مخاطبة هذا الشعب البلقاني المهمل عربياً! والمستقطب تركياً منذ زمن بعيد بحكم علاقة الجوار وعلاقة الاحتلال الذي دام أكثر من 500 عام.
إيران تسعى لبناء علاقة استراتيجية وتضع لها نقطة ارتكاز أوروبية إسلامية عن طريق الاهتمام بمخاطبة البوسنيين؛ فلم تكتفِ بوجود مبنى سفارة كبير يقع على النهر الرئيسي في منتصف العاصمة، بل إضافت له مركزاً ثقافياً لا يمر يوم دون أن ترى فيه نشاطاً محموماً لفعالية إيرانية بوسنية مشتركة، أضف إلى ذلك أن هناك أكثر من توأمة لمدن إيرانية بوسنية مثل توأمة مدينة غورازده البوسنية مع مدنية مراغة الإيرانية عام 2002. والآن يجري العمل على جذب الاستثمارات الإيرانية للبوسنة، كل هذا ونحن كعرب كمسلمين كخليجيين غائبون عن المشهد.
البوسنة إحدى الدول التي يحاول المحور الإيراني القطري التركي استقطابه، فمكتب قناة «الجزيرة» الرئيسي والموجه للشعوب البلقانية موجود على أكبر مبنى في العاصمة البوسنية، والتواصل المباشر مستمر بين تركيا والبوسنة بحجة العلاقات التاريخية القديمة، ولتركيا مكانة لدى البوسنيين تستثمرها في دعم البنية التحتية البوسنية.
المحور التركي الإيراني القطري يعمل جاهداً للتواصل مع هذه الشعوب، يخاطبها محاولاً جذبها، يستثمر تجارياً من أجل أن يحصد سياسياً، عمل لا نجيده إلى الآن بشكل عام، والأهم أننا نغفل عن أهمية نقطة الارتكاز البلقانية كالبوسنة، حيث الغالبية المسلمة المتعطشة للعودة للدين بمدنهم العامرة بالمساجد وشبابها الذي تتجاذبه صراعات الشرق والغرب تشدهم الثقافات الأوروبية من جانب، وإيران وتركيا سياسياً من جانب آخر.
ومثلما فعلت إيران في أفريقيا، حيث دخلت هناك لمخاطبة الشعوب وتواصلت معهم، كذلك فعلت مع الجمهوريات الشرقية للاتحاد السوفياتي القديم، لأنها تملك ما لا نملكه - مع الأسف - وهو العمل ذو البعد الاستراتيجي.
أن تحصل على مواقع لك تخدم مصالحك السياسية عليك أن تضع استراتيجية لمد نفوذك بشكل غير مباشر وتصبر على وقت الحصاد، تفتح خطوط التواصل وتقوّي شبكة الاتصال والمواصلات معهم تمد خيوطك الفنية والثقافية والتجارية.. هذه الشبكة ستخدم مصالحك السياسية حين تحتاجها، وليس العكس كما نفعل نحن. يؤسفنا أن نقول إن إيران أشطر منا في الحصول على المكاسب السياسية لأنها «تلعبها صح»، وتضع الحصان قبل العربة، وتقدم السبت لتلقى الأحد.
في هذه الدولة فرص استثمارية واعدة، ونسبة المسلمين فيها هي الغالبة ولديها موارد طبيعية، ونسبة الشباب هي الأكبر، ومتعطشة لكل ما هو عربي وإسلامي، ولكنها غائبة عن رادارنا التجاري والاستثماري وحتى السياسي.