بقلم: سوسن الشاعر
لنضع النقاط على الحروف ونسمِ الأشياء بتسمياتها حين نتعامل مع توصيف الأحداث الجارية حولنا، فذلك من شأنه أن يحدد موقفنا بشكل أكثر وضوحاً، ذلك مطلوب من جميع وسائلنا الإعلامية بل حتى من مسؤولينا حين يتحدثون للإعلام أو حتى حين يتحدثون مع نظرائهم من المسؤولين.
لا حاجة لإثبات ما هو واضح للعيان بأن الدول الممولة للميليشيات الإرهابية المسلحة في منطقتنا هي إيران وقطر وتركيا، من ينكر ذلك فهو شريك معها، والاتفاق النووي جزء هامشي من أساس مشكلتنا مع إيران، القصة أكبر مع وجود هذه الأنظمة الثلاثة ورعايتها للإرهاب، وأي دعم بأي شكل، صفقات أو اتفاقيات أو تعهدات بين أي دولة وتلك الدول الثلاث فهو دعم واضح للميليشيات المسلحة بالمال والسلاح والموجه لصدور شعوبنا.
فليصحُ هذا الغرب، فهناك دماء تسفك على أسفلتنا وقصة الثورات والفوضى الخلاقة ونشر الديمقراطية انتهت إلى غير رجعة وفرغت من محتواها، ما عاد هناك ما يسمى بالثورات البريئة والسلمية ورغبات في تحقيق العدالة والمساواة، ذلك الذي يروّج له اليسار الغربي ويسوّقه للرأي العام في إعلامه وصفاً لأحداث تجري في منطقة الشرق الأوسط.
فما يجري الآن وبرعاية هذا اليسار الغربي وما يقومون بالترويج له وتسويقه ما هو إلا خراب ودمار وقتل وحروب ترعاه إحدى تلك الدول من خلال ميليشيات مدعومة بالمال والسلاح ضد الشعوب العربية، ويدفع ثمنها ملايين من المشردين والمهجرين والنازحين، فكفى سذاجة، ولينظروا إلى ما يجري في الواقع وإلى حقيقة العراق وليبيا والجزائر واليمن ففيها جميعاً عبثت إحدى تلك الدول ودمرتها.
وللعلم فإن ما يدعم الأنظمة العربية القائمة هم شعوب تلك الدول، هم الذين يتصدون للميليشيات المتمردة المسلحة وأغلبها إما طائفية أو جماعات عرقية انفصالية، وينتهي الأمر بحروب أهلية كما يجري الآن في اليمن، فالشعوب تنظر للأنظمة القائمة على أنها صمام الأمان وبالنسبة لها أفضل ألف مرة من ميليشيات مدعومة من جهات أجنبية لها مصالحها.
لذلك فهذا الغرب الحالم الذي يمد اليد لكل (متمرد) عربي ظناً منه أنه يتحدث مع محرر (العبودية) فإنه يفعل ذلك وهو يجري عليه إسقاطاته الخاصة بوعي أو من دون وعي، يظن أنه بهذا الدعم لأي حركة تمرد عربية فإنما هو يكفر عن ذنبه، ويمحو عاراً من الظلم مارسه أسلافه لعهود كان فيها هو الطاغية المستبد الذي استعبد السود والسكان الأصليين واستعمر فيها الشعوب العربية وسلب ثوراتها، واليوم هو يساعد المتمردين تكفيراً عن أخطائه!!
الاستمرار في هذه اللعبة والانجرار لفخ مصطلحاتهم وتوصيفهم للحدث ولحقيقة ما يجري، فإنه يسري على متلقٍ غربي لم تطأ قدمه منطقتنا ولا يعرف ما يجري فيها، إنما نحن إن تحدثنا فلا بد أن نقولها بصراحة تامة، إن السكوت عن إيران أو عن قطر أو عن تركيا ممولي وحاضني الميليشيات الإرهابية فإنه سكوت عن دمار وموت وظلم وتشريد وتهجير شعوب بأسرها، وإن أي دعم يقدمه الغرب لهذه الدول الراعية للإرهاب بأي شكل من الأشكال إن كان اتفاقيات أو صفقات، أو حتى استقبال رسمي فهو تأجير لقتلة وإرهابيين وعلى حساب دماء الناس، فأي صفقة تعقد مع هذه الأنظمة الثلاثة هي صفقة لا يغسل عارها سنوات قادمة من التكفير.
حين يبحث الاتحاد الأوروبي عن أعذار لإيران بدعوى الدفاع عن الاتفاق النووي من أجل التهرب من محاسبة النظام الإيراني فإنه إنما يطيل فترة بقاء ميليشياته المسلحة والمسلطة على رقاب الناس في العراق واليمن ولبنان وسوريا، حين يعقد صفقاته التجارية مع قطر أو تركيا فإنه يعقد صفقة تمول ميليشيات إرهابية ويده مغموسة في دمائنا ولا أحد يشتري قصة الدفاع عن الاتفاق النووي من أجل حماية المنطقة.
كل دولة أوروبية تبحث عن أي عذر للتهرب من العقوبات الإيرانية فإنها تقدم الدعم لقتلة يسفكون الدماء ويطلقون الصواريخ على المدنيين ويحتلون المدن ويهجرون شعوبها.
نحن لا ننظر للاتحاد الأوروبي أو لروسيا أو لغيرهم على أنهم يقدمون دعماً لنظام أو دعماً لدولة أو حتى دعماً لشعب حين يتعامل مع النظام الإيراني، بل نراه يقدم الدعم لقتلة بالمعنى الحرفي للكلمة ويساعدونه على الاستمرار في جرائمه، هكذا يجب أن تصل الحقيقة لكل من يتعامل مع رعاة الإرهاب.
حماية الاتفاق النووي بالنسبة للشعوب العربية هو «بسكوتة» لا يحتاجها في ظل تضوره جوعاً؛ ما يحتاجه الآن هو خبز الأمن والأمان بوقف دعم تلك الدول والكف عن التذاكي معنا.