النظام الإيراني فعلياً مستعد للذهاب إلى أقصى اليسار، حتى وإن كانت تصريحاته تؤكد أنه سيظل واقفاً أقصى اليمين، فالإيرانيون سادة البراغماتية، الغاية عندهم تبررها الوسيلة.
لذا؛ يجب ألا نقف عند التصريحات النارية التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون بكثافة والموجهة ضد إسرائيل أو ضد الأميركيين، فجميعها تصريحات تذوب مع حرارة شمس التهديدات الحقيقية حين تطالهم.
هل يذكر أحدكم رسائل قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى إسرائيل في الذكرى العاشرة لاغتيال أبرز قائد عسكري في «حزب الله»، عماد مغنية في فبراير (شباط) الماضي؟
حينها قال سليماني مهدداً إسرائيل «قصاص دم عماد ليس بإطلاق صاروخ أو قتل شخص، وإنما هو باجتثاث الكيان الصهيوني، ولن ننسى الشهداء أبداً، ولن نتوسد فراشاً ما دام الكيان الصهيوني باقياً».
وقبل شهرين فقط أكدت إيران لروسيا أنها لن تخرج من سوريا ولن تتنازل عن «مكتسباتها»، وقواعدها التي بنتها هناك باقية، بل وزجت بفصائل من الحشد الشعبي العراقي و«حزب الله» اللبناني على مقربة من الحدود الإسرائيلية الشمالية.
يوم الأربعاء الماضي وبعد سلسلة هجمات إسرائيلية على قواعدها، وبعد موت بعض من قياديها، أعلنت روسيا أنها تمكنت من الضغط على إيران لدفعها للانسحاب 85 كم جنوب سوريا، من أجل «عدم إزعاج إسرائيل» وفق قولها. جاء ذلك حسب ما أكده المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، أن القوات الإيرانية انسحبت من مواقعها السابقة في الجنوب السوري برعاية روسيا.
هكذا هي إيران لها سياسة إعلامية متطرفة ومتشددة تخاطب بها جمهورها المغيب ومريديها من أتباع وليها الفقيه، ولها سياسة انبطاحية مغايرة تماماً فقط حين تواجه بالقوة ونضع هنا سطرين!!
القوات الإيرانية من بعد الحرب العراقية لم تخض أي معارك مباشرة، بل استبدلت بقواتها الوطنية وكلاءها وخدمها من العرب، تمدهم بالسلاح وتتركهم يقومون بالمهام القذرة نيابة عنها، وتمددت بواسطتهم في العواصم العربية الأربع؛ إذ بعد أن يتم «تنظيف» المنطقة وتفريغها من سكانها وتهيئتها لإيران يأتي سليماني وبقية حاشيته ويبنون قواعدهم العسكرية، حدث ذلك في سوريا، هكذا تمددت إيران هناك؛ لذلك لا تجد حرجاً في إطلاق التصريحات العنترية؛ لأنها تعلم أن خسائرها البشرية الإيرانية محدودة في المواجهات، وتمويلها لخدمها في المنطقة يأتي من خمسهم، فلِمَ لا تتمدد؟!
أما لو علمت أن خسائرها حقيقية كما تكبدت في سوريا مؤخراً من جراء الهجمات الإسرائيلية، فإنها تنسحب فوراً وتخنع، وهكذا ستفعل في البحر الأحمر وباب المندب.
فبعد أن أوعزت لخادمها اليمني بالتعرض لناقلات نفط كانت في طريقها إلى أوروبا، هددت الملاحة البحرية في البحر الأحمر، حيث «كشفت مصادر استخباراتية إسرائيلية عن أن سفينة تجسس إيرانية ساعدت الحوثيين في استهداف ناقلتين سعوديتين قبالة ميناء الحديدة اليمني بالبحر الأحمر، الأربعاء الماضي».
ونقل موقع «ديبكا» الإسرائيلي قول تلك المصادر الاستخباراتية، إن السفينة «سافيز» التي تبلغ حمولتها أكثر من 16 ألف طن تبحر في البحر الأحمر متنكرة كسفينة شحن على متنها حاويات مخبأ تحتها أسلحة وأجهزة مراقبة وتتبع متطورة بهدف مراقبة ومتابعة السفن الحربية والتجارية.
وذكر الموقع في تقرير نشره السبت، أن قوات بحرية عربية وغربية راقبت السفينة وهي تتحرك من أرخبيل «دهلك» الإريتري متجهة إلى باب المندب في الفترة الأخيرة، وأن الاستخبارات السعودية والإماراتية التقطت إشارات من تلك السفينة تبلّغ المتمردين الحوثيين على سواحل البحر الأحمر بقرب مرور الناقلتين السعوديتين.
لذلك؛ حين قال المتحدث باسم التحالف، تركي المالكي، في مؤتمر صحافي، إنه «جرى اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع المجتمع الدولي لاستمرار حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية عبر مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر»... وحين صرحت القيادة الأميركية الوسطى «إننا نراقب مع شركائنا لتأمين حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة في المياه الدولية»، وحين صرح نتنياهو بأنه «لو حاولت إيران إغلاق مضيق باب المندب، فإنني على اقتناع بأنها ستجد نفسها أمام ائتلاف دولي مصمم على منعها من القيام بذلك. هذا الائتلاف سيشمل أيضاً دولة إسرائيل على جميع أجنحتها»، فما كان من الحوثي إلا التصريح بأنه سيهدئ من الاشتباك في باب المندب، وقامت إيران بنقل تهديدات لمضيق هرمز بدلاً من المندب!
أيضاً أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، الثلاثاء 31 يوليو (تموز) الماضي، أنها مستعدة لوقف الهجمات من جانب واحد في البحر الأحمر لدعم جهود السلام، إذ قال محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين، في بيان «نعلن عن مبادرتنا بدعوة الجهات الرسمية اليمنية إلى التوجيه بإيقاف العمليات العسكرية البحرية لمدة محددة قابلة للتمديد ولتشمل جميع الجبهات، إن قوبلت هذه الخطوة بالاستجابة والقيام بخطوة مماثلة من قبل قيادة هذا التحالف».
هذه هي إيران الحقيقية، صورة تتناقض تماماً مع تصريحاتها العنترية لتثبت أنها حقاً نمر من ورق.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع