بقلم: سوسن الشاعر
الجديد، أن الضغط على النظام الإيراني لم يأتِ من الشعب الإيراني كما كان متوقعاً، بل جاء من مواطني العواصم المحتلة إيرانياً عبر وكلائها، ولا حاجة إلى القول بأننا لا نحتاج إلى أن نضرب إيران في الداخل ونثير حرباً لا تبقي ولا تذر حتى نحقق أمننا القومي العربي، ونحمي حدودنا، ونكف يد الإرهاب عنا، بل نحتاج إلى أن نزيح إيران عن العواصم العربية الأربع التي احتلها بالوكالة، ومنها تنطلق أيادي الإرهاب التي تعيث بأمننا فساداً، فإن نجحنا في ذلك فتكون أهدافنا قد تحققت وانتصرنا لأمننا.
فقط، للتذكير، وكلاء إيران في لبنان والعراق هم من دربوا الميليشيات البحرينية واليمنية والسعودية، وهرّبوا لها السلاح والمتفجرات، وعقدوا المؤتمرات ضدنا واحتضنوا الهاربين من الأحكام القانونية، وخرجوا في مسيرات تسيء إلى كل من الحكومتين البحرينية والسعودية. وكلاء إيران هم مصادر الإرهاب في عالمنا، وهم قد اختطفوا أربع دول عربية تحيط بنا.
الجديد، أن انتفاضة الشعبين العراقي واللبناني هي ضد حكومات تشكلت بضغوط إيرانية من وكلاء إيران ومن تحالف معهم ليشكلوا حكومات تلك الدول. والجديد أيضاً، احتراق كل أدوات الاحتواء التقليدية السابقة من خطاب ديني وإسقاطات تاريخية ورمي الكرة في ما يدّعونه ملعب التآمرات، وغيرها من مزاعم وتهم جاهزة فما عادت تؤثر.
الجديد، فقد المرشد الإيراني علي خامنئي زخمه في القاعدة العربية، ومن ثم تحطمت هيبة المرجعيات الدينية التي تدين بالولاء لخامنئي.
الجديد، أنه لم يعد أمام وكلاء إيران إلا توجيه الرصاص لصدور المواطنين من أجل حماية أنفسهم إن أرادوا البقاء في السلطة، فما عادت تحالفاتهما كافية لإقناع الشعبين بإمكاناتهما المعدومة في إدارة الدولة.
الجديد المشجع هذه المرة، هو أن عصب عصيان الشعبين العراقي واللبناني كان إلى وقت قريب الحاضنة الشعبية لوكلاء إيران. الجديد، هو خروج شيعة البلدين الذين هم القاعدة التي اعتمدها الوكلاء في القضاء على الدولة الوطنية ورهن مقدرات الدولة في يد النظام الإيراني، والقاعدة التي استندت إليها الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران («حزب الله» وبعض فصائل «الحشد الشعبي») في تقويض سلطة الدولة، من هذه الحاضنة تنطلق الانتفاضة هذه المرة، وهم الذين يحدثون الفارق في انتفاضة هذين الشعبين؛ فطوبى لهما.
الجديد، هو وحدة الشعبين بعد أن تجلى إرثهما العربي الأصيل القاسم المشترك وتجلت الأرض الحاضنة وذابت الفوارق المذهبية والتقسيمات الطائفية في مواجهة المد الإيراني، تلك ضربة قاصمة لإيران استعدت لها حين أوجدت الميليشيات المسلحة لتحمي وكلاءها من مواطنيهم!
«حزب الله» و«الحشد الشعبي» ما وجدا إلا كما وجد «الحرس الثوري» الإيراني قبلهما لحماية «وكلاء إيران» من شعوبهم، هذا هو سبب تأسيس هذا الجيش الموازي؛ فـ«الحرس الثوري» الإيراني هو من قمع الشعب الإيراني حماية للملالي، و«حزب الله» وجّه سلاحه أكثر من مرة للشعب اللبناني، واليوم «الحشد الشعبي» يقوم بالمهمة ذاتها ويوجه رصاصه لصدور العراقيين بلا رحمة.
الضغوط الاقتصادية بسبب العقوبات ضيقت الخناق على هذه الميليشيات، فأربكتها وأضعفت سلطتها في الداخل، والشعبان اللبناني والعراقي انتصرا للدولة العربية القطرية الوطنية؛ لذلك تجد الجيش العراقي مثلاً بين ضغط الأحزاب وضغط الشعوب في مواجهة وكلاء إيران وحراسهم؛ إذ لطالما أهدرت تلك الميليشيات كرامة هذه الجيوش بتحديها السافر لسلطة الدولة.
الجديد، أن الشعبين العراقي واللبناني يستنجدان بجيشَي دولتيهما الوطنيين أن يقفا معهما ليتحدا ضد الهيمنة الإيرانية، فلا وزير يعين ولا حكومة تشكل إلا بموافقة إيران، وكانت هذه هي النتيجة؛ حكومة ضعيفة نخر فيها الفساد، معطلة لا تملك قرارها محمية بميليشياتها التي هي جيش آخر يحميها ولا يحمي الدولة ومستعد لتوجيه رصاصه ضد كائن من كان، حتى لو كان مواطن هذا البلد من أجل حماية وكلاء إيران.
الجديد، أتت الحرب على إيران من حيث لم تحتسب؛ لذلك ستقاوم إيران قدر استطاعتها فقد استثمرت في هؤلاء الوكلاء الكثير اقتطعته من قوت شعبها الإيراني لتغذية أحلام طاوسية لملاليها، ستضغط، ستأمر وكلاءها بعدم الاستسلام وبالمقاومة، ستأمر بإطلاق الرصاص على صدور شباب الشعوب العربية المتمردة، ستستخدم كل الأوراق رغم احتراقها.. الإسقاطات الدينية، البكائيات، اللطميات، ستحرض تحالفاتها الطائفية كما هي حالة لبنان، لن تستسلم لاستقالة رئيس الحكومة، ستدفع بوكلائها لاستبداله، ستذهب إلى أبعد مدى، فحتى حسن نصر الله نفسه لن يستطيع أن يتنحى حتى لو أراد؛ فذلك ممنوع الآن. اليوم إيران في مأزق ومصلحتها فوق أي اعتبار وستمارس ضغوطها على وكلائها حتى لو اضطروا إلى إحراق البلد.
الرهان على صمود هذين الشعبين وعلى قوة إرادتهما.