بقلم - سوسن الشاعر
كان التنسيق والتكامل القطري - التركي في التحريض على المملكة العربية السعودية واضحاً، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الذكاء لمعرفة حجم تبادل الأدوار بينهما في موضوع خاشقجي: تركيا تسرب المعلومات، وقطر تستغل «الجزيرة» وتحرك الماكينة الإعلامية؛ بدءاً بـ«الجزيرة»، مروراً بكل قناة تلفزيونية أو صحيفة تتعطش لمثل هذه الأخبار.
كانت تركيا هي المزود، وقطر هي الممول والمحرك، وحاولتا على مدى شهر ونصف الشهر أن تحققا «أهدافاً» طموحة جداً، وبسقف عالٍ من التمنيات، ولكنهما فشلتا. ومهما حاولت قطر أو تركيا أن تبقيا على قضية خاشقجي مشتعلة، فإنهما فشلتا فشلاً ذريعاً؛ فشلتا في جولة ولي العهد في الدول العربية، وفشلتا في الأرجنتين، وفشلتا بطبيعة الحال في تحريض الحكومات في أوروبا أو أميركا أو روسيا أو الصين، فتواضعتا في أحلامهما قليلاً، ونقلتا حملة الضغط للأحزاب ووسائل الإعلام والمنظمات، علها تضغط على الحكومات. ومع ذلك، فشلتا فشلاً ذريعاً.
في هذه المعركة، ألقت قطر بكل حملها وثقلها، وفعلت ما في وسعها، وحرقت جميع مراكبها على الشاطئ الخليجي، من أجل تحقيق «أوهامها» - ولا نقول أهدافها - بالتحريض على نظام الحكم، وبتحريض المجتمع الدولي على المملكة العربية السعودية.
لا أعتقد أن هناك، بعد ما فعلته قطر في أزمة خاشقجي، من يجرؤ على التوسط لها، من بعد تجنيد كل طاقتها للإضرار بالسعودية، بالشكل الذي قامت به منذ أكتوبر (تشرين الأول) إلى الآن.
لا أعتقد أن أحداً يفكر في الحديث مع أي من دول التحالف عن فتح صفحة جديدة مع هذا النظام.
الأزمة القطرية مع دول التحالف قبل قضية خاشقجي كانت في مرحلة، ومن بعد قضية خاشقجي انتقلت إلى مرحلة جديدة؛ لقد حفرت قطر بيدها خندقاً، وبنت حائطاً، لذلك أعلنت دول التحالف فوراً أنه لا صلح ولا تغير موقف، وما زالت على عهدها متحالفة، وشروطها الثلاثة عشر كما هي، لتسدل الستار على أي محاولة جديدة للتوسط.
المضحك في الأمر أن تركيا، التي قادت الحملة مع قطر وكانت المزود الرئيسي لها بالمعلومات، تركت لها عدة أبواب للعودة في علاقاتها مع السعودية، لأنها تعرف من هي المملكة العربية السعودية، فكانت تناور من خلال تصريح سامٍ وتصريح معسول: وزير الخارجية أوغلو يصرح يوماً بأن تركيا ستدول القضية، وتنقلها للأمم المتحدة، ثم يأتي في يوم آخر ويصرح بأن العلاقات التركية - السعودية لن تتأثر بقضية خاشقجي. ففي الثالث والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، على سبيل المثال، قال شاويش أوغلو، رداً على سؤال حول الأخبار المتداولة بخصوص حصول الاستخبارات الأميركية على تسجيل صوتي يشير إلى ولي العهد السعودي في قضية قتل خاشقجي، إن تركيا لم تذكر أي أسماء في تصريحاتها بخصوص الجريمة، وإنه لا يمكنها أن توجه الاتهام لأحد دون وجود دليل قاطع!
وأفاد الدبلوماسي التركي بأن «أنقرة لا ترغب في أن تسوء علاقاتها مع الرياض، وتسعى لتطويرها، إلا أنها في الوقت نفسه عازمة على كشف الحقيقة كاملة بخصوص قضية خاشقجي»، مشيراً في السياق إلى أن الرياض لا تتعاون مع تركيا كما ينبغي بخصوص التحقيقات في القضية.
على الأقل، أبقت تركيا على بعض الأبواب مفتوحة، في حال فشلها في مساعيها وخطتها الخبيثة: تقطع حبلاً، وتمد آخر، وتلك مناورة سياسية مكشوفة واضحة. وهنا، تتحرك الخبرة، وهذه هي السياسة: ألا تحرق كل أوراقك، ولا تقطع على نفسك طريق العودة. إنما السذاجة القطرية هي التي قادتها إلى أن تتبرع، وتكون هي وحدها في واجهة المدفع. وقبلت قطر بأن تحرق جميع مراكبها، وتعلنها حرباً سافرة، ظناً منها أن هذه المرة ستصيب وستنجح.
انتهت القصة وقطر أبعد ما يكون؛ نراها نقطة صغيرة تسبح وحدها في فضاء منعزل، منسلخة عن الروح الخليجية العربية، في حين تركيا ما زالت تناور: تفتح باباً وتغلق آخر، تريد أن تستفيد ولا تريد أن تخسر؛ يجري كل ذلك ودول التحالف الأربع (مصر والبحرين والإمارات والمملكة العربية السعودية) على وعي ودراية تامة بالموقف التركي... دعك من المجاملات الدبلوماسية.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع