كثيرا ما يعتاد المرء ما يراه إلى حد عدم التساؤل عن ماهيته، وأسبابه، ونتائجه.
إحدى الظواهر التى اعتدناها ظاهرة التجمعات أو التكتلات الاقتصادية، مثل تجمع الصاغة والمشغولات السياحية فى خان الخليلى، أو الأثاث فى دمياط، أو السجاد والكليم اليدوى فى كرداسة.
لماذا تنشأ هذه التجمعات؟
وهل من الأفضل أن تنشأ بشكل طبيعى دون تدخل من الدولة، أم العكس هو الصحيح؟
وإذا كان للدولة والمجتمع الأهلى دور، فما هى الشروط الواجب توافرها لتحقيق الهدف التنموى المنشود؟
هذه أسئلة مهمة، ومن حسن الطالع أنها كانت محل نقاش فى المؤتمر السنوى السادس لمؤسسة النداء (أو المبادرة المصرية للتنمية المتكاملة)، الذى انعقد يومى 14 و15 من فبراير الجارى فى الأقصر، وشرفت بإدارة إحدى جلساته.
ضم الحضور نخبة متميزة من الحكومة، والأكاديميين ومنظمات المجتمع الأهلى، كما شهدت الجلسات عروضًا لتجارب دولية من الصين، والهند، والمغرب.
كانت النقاشات شديدة الثراء، لذا رأيت أن مشاركة القارئ الكريم معى فى بعض ما جاء فيها.
فيما يتعلق بالدوافع الكامنة وراء ظهور هذه التجمعات، يبدو أن السبب الرئيسى هو اعتقاد أعضائها أنها تتيح لهم فرصة للحصول على مزايا لا يستطيعون الحصول عليها فرادى.
هذه المزايا يمكن أن تأخذ شكلَ تكاملٍ فى الإنتاج أو التسويق، أو الاستفادة من التسهيلات المتاحة، أو جنى ثمار حملات الترويج الجماعية.
وقد يكون السبب أن التواجد فى موقع جغرافى معين يتيح الاستفادة من وفرة فى أحد عناصر الإنتاج (معادن أو منتجات زراعية بعينها على سبيل المثال)، أو تواجد صناعات مغذية قريبة، أو فرص تبنى ابتكارات تكنولوجية حديثة.
المفارقة هنا أن التعاون بين أعضاء هذه التجمعات لا يقف عائقًا ضد اشتعال التنافس بين أعضائها، وهذا يصب فى مصلحة المستهلك، ويدفع بمعدلات النمو إلى الأمام، ويحقق قدرًا من العدالة الاجتماعية عن طريق التشغيل، خاصة إذا كانت هذه التجمعات فى مناطق نائية أو فقيرة نسبيًا.
هل يتطلب إنشاء وتنمية هذه التجمعات تدخلًا مباشرا من الدولة؟
هناك من التجارب العالمية ما يساند وجهة النظر القائلة بأن هذه التجمعات يمكن أن تنجح دون دعم مباشر، ويشهد على ذلك أشهرها قاطبة: «سيليكون فالى» فى أمريكا، أو وادى التغليف فى إيطاليا، أو وادى صناعة الجلود فى البرازيل.
فى المقابل، هناك من التجارب الدولية ما يؤكد أن الدولة والمجتمع الأهلى، خاصة فى الدول النامية، مثل مصر، يمكن أن يساهما بدور إيجابى فى دعم هذه التجمعات، كما تشهد على ذلك التجارب التى تم عرضها فى المؤتمر، وتجربة مؤسسة النداء فى صعيد مصر.
إذا أخذنا بوجهة النظر الثانية، فما الشروط المطلوبة لنجاح جهود دعم التجمعات الاقتصادية؟
ظنى أن التجربة الهندية بها ما يستحق التوقف عنده، والاستفادة منه.
فى العرض الذى قدمه الدكتور تمال ساركر، المدير التنفيذى لمؤسسة تجمعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة، أشار إلى أن التجمعات الاقتصادية تمثل مكونا مهما فى استراتيجية الهند التنموية، وأن مسؤولية تفعيل هذه الاستراتيجية لا تقتصر على وزارة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بل تشمل وزارات أخرى، وأجهزة متخصصة تابعة لها.
وأضاف أن ما تقدمه الدولة من دعم يأتى بناء على طلب من أصحاب المصلحة أنفسهم، أو من ينوب عنهم من المجتمع الأهلى، ويتم تقييم الطلبات وما يصاحبها من دراسات متكاملة منهجيًا، وأن الدعم قد يكون ماديا (مثل البنية الأساسية)، أو غير مادى (مثل التسويق والترويج والتكنولوجيا)، وأن الدولة تصر على المشاركة المادية لهذه التجمعات لضمان جديتها.
وأضاف أن القانون فى الهند يخصص 2% من الضرائب على أرباح الشركات لصالح هذه التجمعات، ولديهم بنوك تنمية إقليمية أنشئت لهذا الغرض.
فى مصر، لدينا مبادرات حكومية وغير حكومية لدعم التجمعات الاقتصادية، وبعضها حقق نجاحات تستحق الإشادة.
الإشكالية أن هذه المبادرات لا تتم فى إطار منظومة متكاملة، وبشراكة واضحة المعالم بين الأطراف المختلفة، ودون تقييم موضوعى لها.
كما أن منظمات المجتمع الأهلى لا تحظى بالرعاية الكافية من الدولة.
هذا يعنى أننا فى حاجة لإعادة النظر فى مسألة التجمعات الاقتصادية برمتها.
ومن يدرى؟ فقد نكتشف أنها تمثل مدخلًا تنمويًا فعالًا لدعم جهود الحكومة المركزية فى الدفع بالتنمية إلى الأمام.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع