توقيت القاهرة المحلي 20:27:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المكسب بلا مجهود.. ومصائر الأمم

  مصر اليوم -

المكسب بلا مجهود ومصائر الأمم

بقلم : أحمد جلال

 تمحورت رسالة الدكتوراه لأحد زملائى فى جامعة بوسطن، منذ أكثر من 35 عاما، حول أثر شبكات العلاقات الاجتماعية على أداء الاقتصاد الهندى. فكرة الدراسة كانت أن المواطن الهندى مثل غيره من مواطنى الدول الأخرى، يفاضل بين استثمار جهده ووقته وماله فى القيام بعمل جاد ومنتج، أو فى بناء علاقات اجتماعية تمكنه من الحصول على امتيازات خاصة على حساب الآخرين. أطروحته كانت كما يلى: إذا كانت منظومة العلاقات الاجتماعية محابية للتكسب بلا مجهود، فقل على تقدم الأمة السلام، والعكس صحيح.

تغيرت ظروف الهند منذ ذلك الحين، وتحسن أداؤها الاقتصادى. فى حالتنا: إلى أى مدى نعانى من تفشى ظاهرة التكسب بلا مجهود بناء على ما تواضعنا على تسميته «الواسطة» أو المحسوبية؟ وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة بدرجة غير مقبولة، فما هى أسبابها؟ وأخيرا، كيف يمكن التغلب عليها، أو على الأقل الحد منها؟

لا أظن أننا فى حاجة كبيرة للتدليل على توغل «الواسطة» فى كثير من مناحى حياتنا الشخصية والمهنية. الأمثلة على ذلك كثيرة، وعادة ما تظهر عند محاولة بدء نشاط جديد، أو الحصول على وظيفة، أو امتلاك شقة أو قطعة أرض، أو إدخال الأبناء فى مدارس بعينها، أو الحصول على خدمات حكومية، أو حتى الحصول على عضوية النوادى الاجتماعية. وقد اعتدنا هذه الظاهرة لدرجة أن الخاطر الذى يأتينا للوهلة الأولى عندما نكون فى حاجة لإنجاز مهمة ما إن نبحث عن أحد معارفنا لتسهيل المهمة.

والحقيقة أننى لم أندهش كثيرا عندما قرأت فى صحيفة الشروق بتاريخ 31 يناير 2018 تصريحا للسيدة كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، تقول فيه إن 60% من مواطنى الشرق الأوسط يؤمنون بأن «الواسطة» هى العامل الرئيسى للحصول على وظيفة.

ما هى جذور المشكلة؟ سوف يندفع البعض إلى إلصاق التهمة بموروثنا الثقافى أو قلة الضمير. وظنى أن هذه الظاهرة من صنع حكوماتنا بدرجة كبيرة. فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، جاءت آن كروجر، وهى اقتصادية أمريكية شهيرة، بمصطلح سمته «سلوك السعى للربح الريعى»، وأسندته للتشوه فى السياسات التى تتبناها الحكومات.

إذا قررت الحكومة، على سبيل المثال، تقييد الواردات وإعطاء تصاريح لبعض المستوردين، فهذا بمثابة إعطاء صكوك لاحتكار السوق والتربح بمجهود قليل. نفس النتيجة تحدث عندما تقرر الحكومة حماية بعض الصناعات مقارنة بغيرها، ومنح الأراضى للمقربين منها، وفرض رسوم إغراق غير مبررة، وتفصيل المناقصات العامة لصالح البعض... إلخ.

وبالمثل، يعانى المواطن فى حصوله على الخدمات العامة، لأن القواعد المعمول بها تفتقد الشفافية، وتعطى الموظف العام فرصة للتقدير الجزافى. تشوه السياسات وعدم شفافية قواعد الحصول على الخدمات العامة يدفعان المواطن للاستثمار إلى تنمية شبكات اجتماعية كبديل عن ريادة الأعمال والامتثال للقواعد. مجتمعيا، هذه التشوهات تؤدى إلى فقدان الموارد، وتشجع السلوك الانتهازى، فضلا عن أنها تصيب مبدأى الكفاءة وتكافؤ الفرص فى مقتل.

هل من سبيل للتغلب على هذه الظاهرة؟ من الأمثلة السابقة يبدو أن جذور المشكلة نابع من مصدرين أساسيين: أولا تشوه السياسات، وثانيا غياب قواعد واضحة وعادلة للحصول على الخدمات العامة التى هى حق أصيل لدافعى الضرائب. وإذا كان ذلك كذلك، فالحل يكمن فى التخلى عن السياسات التفضيلية، إلا فى أضيق الحدود وبشروط تنموية موضوعية، وذلك بإعادة النظر فى منظومة الجمارك، وتخصيص الأراضى، والتمويل، والإعفاءات الضريبية، وغير ذلك من استثناءات. فى نفس الوقت، من الضرورى وضع وتفعيل قواعد واضحة للحصول على الخدمات العامة، فضلا عن ميكنتها لتقليل التقديرات الجزافية. هذه الإصلاحات من شأنها أن تحد من الآثار السلبية لـ«الواسطة»، وتوفر على المواطن والمجتمع الكثير من الجهد والوقت والموارد، فضلا عن تشجيع روح الإبداع فى مجال ريادة الأعمال.

الخلاصة إذن، هى أن مصائر الأمم تتوقف على قدرتها على الحد من فرص التكسب بلا مجهود، ومن الممكن أن نقطع شوطا معقولا فى هذا الاتجاه بتصحيح تشوهات السياسات المحابية للبعض على حساب البعض الآخر، ووضع وتطبيق قواعد عمل واضحة فى تقديم الخدمات العامة. بالطبع لن يقف أصحاب المصالح الخاصة ساكنين فى وجه مثل هذه الإصلاحات، لكن المصلحة العامة يجب أن تعلو فوق الجميع.

نقلاً عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المكسب بلا مجهود ومصائر الأمم المكسب بلا مجهود ومصائر الأمم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon