بقلم - أحمد جلال
المعروف أن أى إصلاح اقتصادى يصب فى مصلحة بعض المواطنين على حساب البعض الآخر. تخفيض التعريفة الجمركية على الواردات يقلل من ربحية المنتج المحلى، لكنه يوفر السلعة للمستهلك بسعر أقل. زيادة أسعار الكهرباء ترفع ربحية هيئة الكهرباء، لكن على حساب المستهلك. فرض ضرائب جديدة يقلل من دخول دافعيها، لكنه يعطى فرصة لزيادة الإنفاق العام على خدمات من الممكن أن يستفيد منها مواطنون آخرون. استثناء لهذه القاعدة، تبدو قضية اندماج القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد صفقة نادرة، يعود فيها الإصلاح بالفائدة على جميع الأطراف.
فى دراسة قمت بها عام 2005، تشير النتائج إلى أن إنجاز عملية الاندماج بنجاح يمكن أن يطلق قدرات أصحاب الأعمال والعاملين فى هذا القطاع ويحسن من إنتاجيتهم، مما يساهم فى زيادة معدل النمو الاقتصادى بما لا يقل عن 1.3%. هذه الزيادة يقتسمها من يعملون فى هذا القطاع، من أصحاب أعمال وعاملين. إضافة لذلك، من المتوقع، حتى مع إعفاء كامل من الضرائب على الدخل، أن تجنى وزارة المالية إيرادات جديدة من ضريبة القيمة المضافة. هذه الضريبة الأخيرة يتحملها المستهلك، لكنه يحصل فى المقابل على سلع أكثر جودة وأمانا لخضوعها للفحوصات الصحية وغيرها. وتزداد أهمية القضية برمتها فى مصر إذا أخذنا فى الاعتبار أن القطاع غير الرسمى يستوعب ما لا يقل عن 40% من القوى العاملة، معظمهم من محدودى الدخل.
إذا كانت الصفقة بهذه الجودة، لماذا لم نغتنمها حتى الآن؟ إجابة هذا السؤال تستوجب الإجابة على عدد آخر من الأسئلة: لماذا يفضل العاملون فى القطاع غير الرسمى العمل فى الظل؟ وما هى أوجه القصور فيما تم من محاولات للدمج حتى الآن؟ وأخيرا، هل هناك حلول بديلة؟.
فى تفسير الظاهرة، ظنى أن قرار البقاء فى الظل يعكس رشادة من جانب التاجر الصغير، أو الحرفى محدود الإمكانيات، أو مقدمى الخدمات البسيطة. رشادة هذا القرار ناتجة عن تدنى الربحية فى القطاع الرسمى مقارنة بالقطاع غير الرسمى، أولا بسبب الرسوم والتعقيدات الإدارية عند الدخول إلى، والعمل فى، والخروج من القطاع الرسمى، فضلا عن أعباء الضرائب والتأمينات الاجتماعية، وثانيا، تدنى فرص الأنشطة متواضعة الحجم فى الحصول على قروض من البنوك، أو الدخول فى أسواق جديدة، أو الحصول على عقود حكومية. أما بالنسبة للعاملين فى هذا القطاع بلا عقود، أو تأمينات اجتماعية، أو ساعات عمل محددة، فهذا سلوك اضطرارى، نظرا لقلة البدائل المتاحة فى القطاع الخاص الرسمى أو فى الحكومة.
النتيجة المنطقية لتشخيص الظاهرة على هذا النحو هى أن تحفيز القطاع غير الرسمى على الاندماج فى الاقتصاد يستلزم حزمة من الإصلاحات تكفى لزيادة ربحية العمل فى القطاع الرسمى مقارنة بالقطاع غير الرسمى، وهو ما لم يكن حاضرا فيما تم تبنيه من مبادرات حتى الآن. على العكس، اقترح البعض إبقاء القطاع غير الرسمى على حاله، لأن ذلك يساعد على امتصاص الصدمات القادمة من الخارج. وعندما توفرت الرغبة فى دمج القطاع، لم تتجاوز المبادرات المطروحة فكرة إعفائه من الضرائب مؤقتا، أو تسهيل حصوله على قروض بأسعار فائدة مخفضة. لم تنجح هذه المبادرات بالطبع، وهناك من الشواهد ما يؤكد أن نسبة العاملين فى القطاع غير الرسمى قد ارتفعت فى السنوات الأخيرة، نظرا لتباطؤ معدلات النمو فى القطاع الرسمى. إذا أردنا إقناع من يعملون فى القطاع غير الرسمى بالاندماج طواعية فى الاقتصاد، فمربط الفرس هو اتخاذ ما يكفى من إصلاحات لجعل العمل فى القطاع الرسمى أكثر ربحية من البقاء فى الظل. محاور هذا الإصلاح فى تقديرى ثلاثة: أولا، تحسين مناخ الاستثمار فى القطاع الرسمى، وفى ذلك فائدة لمن يعملون فيه ومن هم قادمون إليه. ثانيا، تبنى حزمة تحفيزية مؤثرة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، بما فى ذلك إعفاء كامل من ضرائب الدخل، ومساهمات حكومية فى التأمينات الاجتماعية، وقروض بشروط ميسرة، ونسبة من العقود الحكومية. وأخيرا، أقترح إنشاء هيئة وظيفتها الأساسية تسهيل عملية الدمج.
هذا الحل المتكامل تم طرحه على حكومات ما قبل 2011، ولم يؤخذ به. وجاءت فرصة تفعيله عندما توليت حقيبة وزارة المالية عام 2013، لكن الوقت لم يسعفنا. اليوم، أعاود طرح الموضوع لاعتقادى بأن دمج القطاع غير الرسمى يمثل إحدى الفرص النادرة المفيدة لجميع أطرافه، كما أنه يخدم قضيتى النمو وعدالة التوزيع فى آن واحد.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع