بقلم : أحمد جلال
تابعت، كما تابع غيرى، أخبار التوأمة المزمع عقدها بين «المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة»، و«الأكاديمية الوطنية المصرية للشباب». هذه التوأمة، إذا تمت بجدية، فمن الممكن أن تكون مفيدة للغاية، حيث إن المدرسة الفرنسية تتميز بتفوق علمى مشهود له، وشهرة واسعة فى تفريخ كوادر تقلدت مناصب سياسية وغير سياسية رفيعة فى فرنسا والعالم. السؤال الذى لم أستطع الفكاك منه هو الآتى: هل من الممكن أن تؤدى هذه التوأمة إلى صناعة قادة المستقبل السياسى فى مصر؟ ولا أخفى عن القارئ الكريم أننى لم أجد نفسى مقتنعا بذلك تماما.
وحتى تكتمل القصة، دعونا نتساءل: ماذا نعرف عن «المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة»؟ وما هو الهدف من التوأمة؟ وأخيرا، ماذا عن صناعة قادة المستقبل فى مصر؟
فيما يتعلق بالمدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة، فقد أنشئت فى أكتوبر 1945 بهدف تدريب نخبة مختارة بعناية لتولى القيادة فى الإدارات الحكومية. المدرسة تقبل عددا قليلا من الدارسين كل عام (80- 90)، بعد اجتيازهم اختبارات صارمة تمتد من أغسطس إلى نوفمبر من كل عام. هناك أولا الاختبارات المكتوبة، وفيها المطلوب من المتقدم إعداد: مقال فى القانون العام، ومقال فى الاقتصاد، وملخص تحليلى لوثيقة من 25 صفحة صالحة لتقديمها إلى وزير عن قضية اجتماعية، والإجابة عن ثلاثة أسئلة فى المالية العامة. فى الاختبارات الشفوية، لمن يخوضون الاختبار المكتوب بنجاح، تدور الأسئلة حول السياسة الدولية، والقانون والسياسات الأوروبية، كما أن المتقدم عليه أن يخوض امتحان لغة إنجليزية، واختبارا جماعيا فى إدارة الأزمات، وأخيرا الإجابة عن أسئلة مفتوحة مأخوذة من السيرة الذاتية للمتقدم.
ونظرا للجدية الشديدة التى تتم بها هذه الاختبارات ومنهج الدراسة الصارم احتلت «المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة» المرتبة السادسة فى العالم فى مجالها عام 2013. كما تبوأ عدد غير قليل من خريجى هذه المدرسة مناصب رفيعة المستوى، بما فى ذلك رئاسة فرنسا (فاليرى جيسكار ديستان، جاك شيراك، فرانسوا اولاند، وإيمانويل ماكرون)، ورئاسة 13 حكومة، فضلا عن عدد غير قليل من الوزراء فى الحكومة الحالية وحكومات سابقة، ومناصب قيادية فى القطاع الخاص والمؤسسات الدولية. وبالمناسبة، المستشار عدلى منصور هو أحد خريجى هذه المدرسة، كما كان رئيس الكاميرون: بول بيا.
مؤسسة بهذا التميز من الممكن أن تكون ذا فائدة كبرى للأكاديمية الوطنية المصرية للشباب، التى تم إنشاؤها بقرار جمهورى العام الماضى. ونظرا لأهمية فكرة التوأمة، التقى رئيس الجمهورية بمدير المدرسة الفرنسية عندما زار مصر فى فبراير الماضى.
من جانبها، أعلنت وزيرة التخطيط والإصلاح الإدارى، الدكتورة هالة السعيد، نقلا عن مصراوى بتاريخ 21 فبراير 2018، أن الهدف من التوأمة هو النهوض بمستوى الجهاز الإدارى للدولة بهدف خدمة المواطن. وفى تعليق للسفير بسام راضى، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، نقلا عن اليوم السابع بتاريخ 18 فبراير، هدف الشراكة هو «بناء القدرات القيادية لكوادر الشباب المصرى وفق أعلى المعايير الدولية العلمية، بهدف إنشاء منظومة إدارية راسخة ومستديمة يتم اختيار قيادتها وأعضائها بتجرد تام، بعيدا عن أى اعتبارات شخصية تأسيسا لمفهوم المعايير الموضوعية من كفاءة وتميز علمى».
كل هذا كلام معقول، وظنى أن الالتزام بتطبيق المعايير التى تطبقها المدرسة الفرنسية سوف يساعد على تأهيل موظف عام على درجة عالية من الكفاءة. لكن هذا الأسلوب لن يصنع قادة سياسيين ممثلين للرؤى المختلفة فى المجتمع، إذ إن ذلك يتطلب حياة سياسية نشطة بكل مفرداتها، من أحزاب قوية، ونقابات مستقلة، وجمعيات أهلية فاعلية، وإعلام على درجة عالية من المهنية، وأن يعمل الجميع فى ظل سيادة القانون. السبب فى أن خريجى المدرسة الفرنسية يتقلدون مناصب قيادية سياسية ليس فقط أنهم مؤهلون فنيا، لكن لأن الحياة السياسية فى فرنسا نشطة بشكل يجذب إليها أفضل العناصر فى المجتمع بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.
إذن، التوأمة بين «الأكاديمية الوطنية المصرية للشباب» و«المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة» خطوة إيجابية، من الممكن أن تؤدى إلى رفع مستوى الأداء الحكومى. لكن صناعة قادة المستقبل فى شؤون الحكم غير ممكنة دون حياة سياسية ثرية، تتشابك فيها الآراء المعبرة عن المصالح المختلفة بشكل سلمى. أن نأخذ جزءا من المنظومة الفرنسية ونترك باقى الأجزاء ليس حلا لهذه الإشكالية.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع