توقيت القاهرة المحلي 15:32:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرصة ثانية

  مصر اليوم -

فرصة ثانية

بقلم - أحمد جلال

يتميز شهر يوليو على بقية شهور العام بأنه شهد ثورة 23 يوليو عام 1952، ومعها نهاية عصر الليبرالية والملكية. كما يتميز نفس الشهر بأنه فى 3 يوليو عام 2013 تم انتهاء حكم الإسلام السياسى بعد سنة واحدة من تبوئه سدة الحكم، ومعه قناعة المصريين بأن هذه الجماعة قادرة على إدارة شؤون البلاد. فيما بين يوليو 1952 ويوليو 2018 خاضت مصر الكثير من التجارب، لكن النتائج كانت متواضعة، بدليل ما نحن عليه مقارنة بالدول المتقدمة والناهضة. هذا يعنى أن البحث يجب أن يكون جاريا عن منظومة للحكم تحقق لمصر التقدم الذى تستحقه، وللمصريين ما يحلمون به من عيش، وحرية، وكرامة إنسانية، وعدالة اجتماعية.

فى هذا الإطار، وبمناسبة الاحتفال بثورة 23 يوليو 1952، من الطبيعى أن يتساءل المرء عما حققته هذه الثورة وما أخفقت فى تحقيقه. ومن الطبيعى أيضا أن يتساءل المرء عن موقع ثورة يناير 2011، وما تلاها من تصحيح فى 30 يونيو 2013، فى مسيرة الوطن نحو التقدم، دون توزيع الاتهامات، أو إلقاء اللوم على أحد، أو توصيف إحدى الفترات على أنها فترة ازدهار كاملة تستوجب العودة إليها، أو فشلا كاملا يستوجب الإقلاع عنها.

فى محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، قد يكون من المفيد تقسيم تاريخ مصر منذ 1952 إلى ثلاث مراحل: المرحلة الناصرية (1952-1970)، والمرحلة الساداتية- المباركية (1971-2010)، ومرحلة يناير 2011 حتى الآن. بالطبع لكل مرحلة جوانب إيجابية وأخرى سلبية، لكن القاسم المشترك بينها أنها لم تأخذنا لعصر الحداثة.

بدءا بالحقبة الناصرية، كانت هذه التجربة بنت عصرها، جاءت لنا بعبدالناصر، تماما كما جاءت بزعامات مثل بيرون فى الأرجنتين، وفارجاس فى البرازيل، ونهرو فى الهند. فى هذه الفترة، سعت مصر، مثل غيرها من دول العالم الثالث، إلى التحرر من الاستعمار، وتحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة فى إطار استراتيجية الإحلال محل الواردات، وإحداث نقلة نوعية فى حياة المهمشين عن طريق مجانية التعليم والصحة. نجحت التجربة فى بعض جوانبها، لكنها حملت فيروس فشلها فى داخلها، خاصة فيما يتعلق بغياب الديمقراطية ومعها غياب المساءلة، وضعف الحافز الفردى بما له من أثر إيجابى على النمو الاقتصادى.

المرحلة الساداتية/ المباركية بدأ التحول فيها بانتصار أكتوبر 1973 العظيم، وتلا ذلك محاولة تحرير الاقتصاد والسماح بالتعددية الحزبية. الإشكالية الكبرى أن هذه المحاولات كانت شكلية أكثر منها موضوعية، وتم تسمية الأحزاب «منابر»، وكان الانفتاح الاقتصادى «سداح مداح»، كما سماه كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين. لم يملك النظام شجاعة التغيير الجذرى، فلا أبقى على النظام القديم بتماسكه واختلالاته، ولا نقلنا إلى نظام جديد متسق مع نفسه. استمرت الازدواجية بين النظامين أثناء الفترة المباركية، عدا زيادة جرعة اقتصاد السوق وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص فى السنوات الأخيرة. فى هذه الفترة، ارتفعت معدلات النمو لكن غابت العدالة الاجتماعية، وزادت مساحة حرية التعبير عن الرأى لكن فى إطار طغيان الحزب الواحد، وفقدت الطبقة المتوسطة بعض مزايا العصر الناصرى بسبب تدنى الاهتمام بالتعليم والصحة، وكانت فكرة التوريث واختلاط رأس المال بالسلطة هما القشتان اللتان قسمتا ظهر البعير.

وأخيرا، كرد فعل لهذه التطورات، جاءت ثورة يناير 2011 معلنة رفضها الصريح لهذا النظام، بتحيزاته وسلطويته فى عالم تزايدت فيه مساحة الديمقراطية العابرة للقارات. توالت الأحداث سريعا بعد ذلك، ولم تكن كلها فى الاتجاه الصحيح. من الصعب اختصار هذه الأحداث فى سطور قليلة، لكن يمكن القول أن مصر اليوم تقف على أرض صلبة، بدستور 2014 وبتماسكها فى عالم متخلخل. ما عدا ذلك، تبدو الصورة ضبابية، وهناك من يخشون أن تكون هذه حلقة جديدة فى سلسلة محاولات النهوض المجهضة. هناك بالطبع محاولات جادة فى بناء الحجر والبشر، وهناك أيضا الحديث عن بناء دولة مدنية حديثة، لكن هناك قرارات واختيارات لا تتفق مع هذه التوجهات.

استشرافا للمستقبل، من المعروف أن فى حياة الأفراد، كما فى حياة الأمم، توجد لحظات فارقة تكون فيها الاختيارات فاصلة. هل تمثل ثورة يناير 2011، وما تلاها من أحداث، لحظة فارقة بالنسبة لنا؟.. ظنى أن هذه هى فرصتنا الثانية، بعد أن أهدرنا فرصتنا الأولى، وأرجو أن نكون قد تعلمنا الدرس هذه المرة.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرصة ثانية فرصة ثانية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية
  مصر اليوم - ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 10:39 2021 الأحد ,09 أيار / مايو

إطلالات شرقية لرمضان من وحي فاطمة المؤمن

GMT 17:26 2021 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

بايرن ميونخ يصف محمد صلاح بأنه "ميسي أفريقيا"

GMT 12:11 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ميلان يعلن إعارة كولومبو لـ كريمونيزي الأمريكى كولومبو

GMT 03:17 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيديو تفاعلي يتكيف مع حركة الجسم أثناء التمارين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon