توقيت القاهرة المحلي 15:39:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل من دولة نقتفى أثرها؟

  مصر اليوم -

هل من دولة نقتفى أثرها

بقلم-أحمد جلال

ما زلت أذكر، بعد أكثر من عشر سنوات، سؤالا طرحه على محاور جاد فى أحد برامج التليفزيون المصرى: لماذا لا نحذو حذو دبى فى جذب الاستثمار؟ وكان ردى أن هذه المقارنة فى غير محلها، على خلفية أن دبى تشبه «فلوكة» صغيرة فى عرض  النيل، ومصر تشبه سفينة كبيرة فى عمق البحر الأبيض المتوسط. ضربة واحدة من المجداف كفيلة بتحويل مسار «الفلوكة» إلى اليمين أو اليسار، أما حركة السفينة فتتطلب وقتا وجهدا كبيرين، فضلا عن معرفة جيدة بعمق المياه، وما بها من تضاريس صخرية وأعشاب مرجانية. لم يكن قصدى من هذا التشبيه عدم تقديرى لتجربة «دبى» المبهرة، وإنما التأكيد على أن مصر ليست دبى.
مرت الأيام والسنوات وما زال السؤال يتردد هنا وهناك، ومعه يتم طرح أسماء دول تصلح، من وجهة نظر قائليها، أن تكون نبراسا لنا. أمام هذا الإصرار، هل هناك حقا دولة يمكن أن نقتفى أثرها كى نتقدم؟ أم أن مصلحة مصر تقتضى الاعتماد على التراكم المعرفى والدروس المستفادة من تجارب التنمية بشكل عام؟ وإذا كانت الإجابة على هذين السؤالين بالنفى، هل هناك رأى ثالث أكثر رجاحة؟

فيما يخص السؤال الأول، ظنى أن الدولة التى يجب أن نقتفى أثرها غير موجودة على ظهر البسيطة. هذه الدولة ليست الصين أو الهند، وليست ماليزيا أو هونج كونج، وليست البرازيل أو المكسيك، وليست فرنسا أو أمريكا. مصر، كغيرها من الدول، لها من السمات الخاصة ما يمنع استنساخ تجارب أى من هذه الدول. بالطبع نشترك مع بعض الدول فى بعض السمات، مثل حجم السكان، أو مستوى التنمية، أو تميز الموقع الجغرافى. لكن من المؤكد أيضا أننا نختلف فى بعض النواحى الأخرى، على الأقل بحكم التاريخ، والجغرافيا، ووفرة الموارد الطبيعية، ومعطيات الواقع الاقتصادى، وكفاءة المؤسسات. هذه الاختلافات تطيح بفكرة اتخاذ أى دولة نبراسا لنا على طريق التقدم.

ماذا عن الاعتماد على التراكم المعرفى والدروس المستفادة من تجارب التنمية بشكل عام؟ وجاهة هذا الرأى تتأتى من أنه يختصر الطريق علينا، ويجنبنا مشقة اختراع العجلة، وقد تم اختراعها. والحقيقة أن هناك ثروة معرفية متاحة لكل من يريد الحصول عليها فى شتى القضايا، بدءا من الاستثمار والنمو، مرورا بقضايا البطالة والتضخم، إلى قضايا الحماية والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، يبدو أن اتباع ما تم التوافق عليه بحذافيره يقوم على فرضية أن الروشتة التى تصلح للسعودية هى نفس الروشتة التى تصلح لتونس، رغم اختلاف الدولتين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. تطبيق نفس الروشتة على الدول رغم اختلافها، يفترض أن هناك مقاسا واحدا يصلح للجميع، وهذا غير صحيح. هل هذا ما يفعله صندوق النقد الدولى فيما يقترحه على الدول التى تواجه مشاكل حادة من برامج؟ هذا سؤال جاد يستحق إجابة جادة، لكن ذلك أمر متروك لمقال آخر.

ما يهمنا هنا، هل من سبيل للتوفيق بين الرأيين السابقين، أى بين خصوصية كل دولة وعمومية الدروس المستفادة من خبرات الدول؟ المنطق يقول إن الدول الطامحة إلى تحقيق قفزة تنموية ليس أمامها سوى الاستفادة من الخبرات المتراكمة، مع تعديل هذه الخبرات طبقا لظروفها الخاصة. تطبيقا لهذا المبدأ فى مسألة مناخ الاستثمار، المعروف أن المستثمر يذهب حيث يكون العائد على الاستثمار مرتفعا والمخاطر منخفضة. من المعروف أيضا أن العوامل المؤثرة فى عوائد الاستثمار والمخاطر تشمل الاستقرار السياسى والاقتصادى، ووفرة البنية الأساسية، وانخفاض تكلفة المعاملات، وغياب المفاجآت غير المحسوبة، وليس بالضرورة ما تقدمه الدول من إعفاءات ضريبية أو جمركية. ترجمة هذه المعرفة لروشتة إصلاح محددة فى الحالة المصرية فى ظل الظروف الراهنة يعنى أننا فى حاجة للتركيز على حل مشاكل البيروقراطية، والامتناع عن منح إعفاءات لا مبرر لها، وإنعاش الحياة السياسية، خاصة أننا قطعنا شوطا معقولا نحو الاستقرار الأمنى، وتوازن الاقتصاد الكلى، ووفرة البنية الأساسية.

عودة للسؤال المطروح فى البداية، ظنى أن البحث عن دولة مثلى لاقتفاء أثرها ليس مفيدا، وقد حان وقت الإقلاع عنه. وظنى أيضا أن فرصتنا فى النجاح تتزايد بالاعتماد على الدروس المستفادة من التجارب الدولية، لكن بعد تطويع هذه التجارب لتتلاءم مع ظروفنا الخاصة.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من دولة نقتفى أثرها هل من دولة نقتفى أثرها



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 12:45 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية
  مصر اليوم - ميس حمدان تتحدث عن تطور السينما السعودية

GMT 06:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
  مصر اليوم - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 12:57 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 10:39 2021 الأحد ,09 أيار / مايو

إطلالات شرقية لرمضان من وحي فاطمة المؤمن

GMT 17:26 2021 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

بايرن ميونخ يصف محمد صلاح بأنه "ميسي أفريقيا"

GMT 12:11 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ميلان يعلن إعارة كولومبو لـ كريمونيزي الأمريكى كولومبو

GMT 03:17 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيديو تفاعلي يتكيف مع حركة الجسم أثناء التمارين

GMT 16:43 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أخطاء تفعلها عند ارتداء الكمامات

GMT 03:12 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

المعهد الأميركي يكشف السيناريو المرعب لـ"كورونا"

GMT 07:29 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

صلاح مع قطة تحصد نصف مليون إعجاب في ساعات

GMT 06:31 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الثلاثاء 13 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 05:06 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح ديكور هادفة إلى تنسيق حدائق منزلية

GMT 08:41 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وصلة رقص لـ ساويرس على أنغام رايحين نسهر لـ محمد رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon