بقلم - أحمد جلال
منذ حوالى 2500 سنة، قال الفيلسوف اليونانى «هيراكليتوس»، إن الشىء الوحيد الثابت هو عدم بقاء الأشياء على حالها. ما دام الأشخاص والأمم أحياء، فإن التغير أو التغيير هما السمة التى لا فكاك منها. التغير يحدث تلقائيا، بحكم طبيعة الأشياء وتفاعلها عبر الزمن، أما التغيير فيحدث عندما يتعمد القائمون على إدارة شؤون البلاد تغيير مسار الأحداث، أو الإسراع بوتيرتها. ويكون الإصلاح جيدا عندما يسعى لرفاهة المواطنين، فى إطار سياسى منفتح، يكون فيه الرأى والرأى الآخر محل احترام، ويسرى القانون على الجميع.
مناسبة الحديث عن التغيير، أو الإصلاح وطبيعته، هو ما جاء فى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام البرلمان يوم السبت 2 يونيو 2018 بمناسبة توليه فترة رئاسية ثانية. ولا أخفى على القارئ الكريم احتفائى بما جاء فى هذا الخطاب، ولست ممن يصفقون لحاكم. وحتى لا يكون كلامى انطباعيا، لدى ثلاثة أسباب لهذا الاحتفاء: أولا، لم يأت الخطاب بما كنت أخشاه. ثانيا، جاء الخطاب بمحاور جديدة وإيجابية، كانت محل انشغالى كما عبرت عنها فى المقالات التى كتبتها فى هذه الجريدة الغراء على مدى عام ونصف العام. وثالثا، بدا لى فى الخطاب صدق النوايا والإصرار على النهوض بالوطن، وليس أمامنا كمواطنين إلا أخذ ما قيل بالجدية الجديرة به والمشاركة البناءة فى صنع مستقبل أفضل لهذا الوطن.
بداية، لم يأت الخطاب بما كنت أخشاه. وما كنت أخشاه أن يتم التركيز على التحديات الأمنية التى تواجه مصر، وضرورة الاصطفاف الوطنى خلف جهود محاربة أهل الشر، رغم أهمية استمرار هذه الجهود. وما كنت أخشاه أن يتجاهل خطاب الرئيس قضية الانفتاح السياسى، وأهمية الرأى والرأى الآخر فى النهوض بهذا الوطن. وما كنت أخشاه أن يعتبر الخطاب أن المشروعات القومية، رغم أهمية استكمال النافع منها، هى الوسيلة الأساسية أو الوحيدة للدفع بمعدلات النمو إلى الأمام. وكنت أخشى أن يقتصر خطاب الرئيس فى موضوع العدالة الاجتماعية على فكرة الحماية الاجتماعية، رغم أهميتها. وأخيرا، كنت أخشى أن يأتى خطاب الرئيس مباركا للعقد الاجتماعى الذى ساد بين الحاكم والمحكومين فى مصر طوال العقود الماضية، وفيه ما يعطى تبريرا للتقاعس عن بناء دولة حديثة.
على عكس كل ذلك، جاء خطاب الرئيس بالكثير مما كنت أود أن أسمعه. فى المجال السياسى، وضع الخطاب قضية الانفتاح السياسى فى مقدمة أولويات العمل الوطنى فى المرحلة القادمة. واستخدم الخطاب تعبير «كلنا مصريون» راغبون فى نهضة هذا الوطن، مثمنا على أهمية الرأى والرأى الآخر. فى مجال التنمية الاقتصادية، أشار الرئيس إلى أهمية استمرار الإصلاح الاقتصادى واستكمال المشروعات القومية للدفع بمعدلات النمو إلى الأمام، وركز على ثنائية البقاء والبناء. وفى موضوع العدالة الاجتماعية، جاء إصلاح التعليم والصحة والثقافة فى مقدمة أولويات العمل فى المرحلة القادمة، وفى ذلك تركيز على البشر وليس الحجر، وتوافقا مع مبدأ تكافؤ الفرص. وبشكل أكثر عمومية، جاء على لسان الرئيس حلم بناء الدولة الحديثة التى تقوم على الحرية والديمقراطية.
بالطبع سوف ترتفع بعض الأصوات قائلة إن الأكثر أهمية مما جاء فى الخطاب أن يكون له صدى على أرض الواقع، وهذا صحيح. لكنى لمست فيما قاله الرئيس صدقا فى النوايا والإصرار على تفعيل هذه الأجندة. وإذا كان هذا ما يعرضه الرئيس من سمات للعقد الاجتماعى بيننا وبينه، فليس أمامنا كمواطنين إلا أن نأخذ كل ما قيل على محمل الجد، وأن نلعب دورنا فيه بنفس القدر من الجدية. التشكيك ليس مفيدا لأحد، ورفعة الأوطان لا تتحقق بالنقد، والنقد فقط.
وختاما لى تعليق على موجة الإصلاح الثانية. من الواضح أن فترة الرئاسة الأولى اتسمت بالكثير من التحديات الأمنية، وضعف كبير فى القوى السياسية المختلفة، ومعاناة حقيقية من جراء الإصلاح الاقتصادى (أهمها تآكل الدخول تحت وطأة التضخم). ظنى أن سمات الإصلاح فى المرحلة الثانية سوف تكون أقل إيلاما وأكثر إيجابية، إذا ما تم الالتزام بأجندة العمل المعلنة: انفتاح سياسى، وسياسات إعادة هيكلة الاقتصاد، وخطى جادة نحو تفعيل مبدأ تكافل الفرص. وإذا كان الدرس الذى تعلمناه من «هيراكليتوس» أن التغيير هو سنة الحياة، فالأمل معقود على أن تكون موجة الإصلاح الثانية لبنة جديدة على طريق بناء مصر الحديثة.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع