توقيت القاهرة المحلي 18:39:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفقراء والقطط السمان

  مصر اليوم -

الفقراء والقطط السمان

بقلم - أحمد جلال

فى أول زيارة لى لمدينة «ريو دى جانيرو» البرازيلية، منذ أكثر من ربع قرن، كنت شديد الانبهار بحيوية هذه المدينة، ومبانيها الشاهقة، وكورنيش «كوبا كابانا»، وتمثال المسيح المطل على الساحل من قمة جبل عالية فى البحر. فى نهاية اليوم الأول للزيارة قررت، مع صديقين آخرين، التريض على الشاطئ. وما إن عرف «كونسيرج» الفندق خطتنا حتى تطوع بنصيحة صادمة، فحواها أنه من الأفضل أن نترك محافظنا فى الفندق، وأن نحمل معنا 20 دولارا، لأنه من الوارد أن نتعرض لمحاولة سرقة بالإكراه. خياراتنا إذا ما حدث ذلك كانت إما إعطاء ما لدينا لنمر بسلام، أو الرفض وتحمّل ما يمكن أن يصيبنا من أذى على يد أحد ممن يعيشون على أطراف المدينة. علمت بعد ذلك أن المدينة محاطة بما يسمى «الفافيلاز» أو العشوائيات، وأن «ريو» المبهرة كان لها وجه آخر.

هذه القصة ليست حكراً على «ريو»، ولكنها سمة مشتركة لكثير من المدن الكبرى فى العالم، من القاهرة إلى نيويورك. إذا أرجأنا مناقشة قضية العدالة الاجتماعية، لا شك أن ظاهرة الفقر فى حد ذاتها تثير العديد من الأسئلة، منها: هل هذه الظاهرة حتمية؟ وهل يمكن التعايش معها مؤقتاً حتى يأتى الفرج؟ وما هى مسؤولية الدولة فى الحد منها؟

بداية، تؤكد البيانات أن ظاهرة الفقر ليست حتمية. الدول الإسكندنافية ليس بها فقراء، ولا يرجع ذلك فقط لثرائها، وإنما لأنها قررت أن توفر شبكة حماية شاملة ضد مخاطر فقر الدخل، والبطالة، وكبر السن، والمرض، والإعاقة. فى المقابل، يظهر الفقر بوجهه القبيح فى دول بثراء أمريكا، ربما لقناعة بما قاله «رونالد ريجان» فى ثمانينيات القرن الماضى من أن الفقراء هم أنفسهم من اختاروا ذلك.

مقولة عدم حتمية الفقر تنطبق أيضا على الدول ذات الدخول المتوسطة، وهى المجموعة التى تنتمى إليها مصر، حيث تشير بيانات البنك الدولى إلى تواضع نسبة من يعيشون على أقل من 1.9 دولار فى اليوم (مقاساً بالقوة الشرائية للأسعار فى 2011) فى الأردن (0.1%) وماليزيا (0.3%) والأرجنتين (1.7%)، مقارنة بالبرازيل (4.3%) وإندونيسيا (6.8%) والفلبين (8.3%).

إذا كانت ظاهرة الفقر ليست حتمية، هل يمكن القبول بها مؤقتاً حتى تتحسن الأمور؟ لا أظن ذلك لأسباب عديدة، منها ما هو أخلاقى، ومنها ما هو اجتماعى، ومنها ما هو فردى. من الناحية الأخلاقية، لن أخوض فيما قاله الفلاسفة، ويكفى الإشارة هنا إلى أن جميع الأديان تحض على التكافل الاجتماعى، وقد وصل الحد بعلى بن أبى طالب أن قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. من ناحية السلام الاجتماعى، من المعروف أن المجتمعات التى يستشرى فيها الفقر تتزايد فيها معدلات الجريمة وعدم الاستقرار، وما علينا هنا إلا أن نتذكر مقولة أبى ذر الغفارى: عجبت لرجل بات جائعاً ولم يخرج على الناس شاهراً سيفه. من الناحية الأنانية البحتة، من الصعب على الأغنياء أن ينعموا بثرواتهم فى مجتمع من الحاقدين، وخير مثال على ذلك ما ذكرته عن مدينة «ريو».

إذا كانت هذه الحجج فى محلها، ظنى أن مواجهة الفقر يجب أن تحتل مرتبة عالية فى سلم أولويات أى حكومة، بحكم أنها تحتكر استخدام القوة، وسن القوانين، وصنع السياسات، وتخصيص الموارد. وإذا كان ذلك كذلك، فلدى حكومتنا من تجارب الدول الأخرى ما يمكنها الاستعانة به. أولاً، يمكنها تبنى سياسات تدفع بالنمو الاحتوائى إلى آفاق عالية، كما فعلت الصين. كما أنها تستطيع إعادة النظر فى منظومة المعاشات، والتأمين الصحى، والتأمين ضد البطالة، وتحفيز القطاع غير الرسمى على الاندماج فى الاقتصاد. وتستطيع أن تتبنى من الحوافز ما يشجع الأغنياء على العمل الخيرى، والتأكد من أنهم يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب. لدينا بعض المحاولات الجادة على هذه المحاور، لكنها لا ترقى لطموحات الفقراء، وقد وصل عددهم لما يقرب من ثلث السكان طبقاً لآخر إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

خلاصة القول: الفقر ليس قدراً لا مفر منه، وليس هناك ما يبرر قبوله على المستوى الأخلاقى، أو الاجتماعى، أو الفردى. صحيح أن القضاء عليه ليس ممكناً بين يوم وليلة، لكن إرادة التغيير والعمل الدؤوب لا يجب أن يغيبا عن الأفق.

نقلا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقراء والقطط السمان الفقراء والقطط السمان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon