بقلم - أحمد جلال
امتلأ الفضاء العام بشعور إيجابى عند تدشين حقل «ظهر» للغاز الطبيعى فى يناير 2018، وكأن لسان حال الناس يقول: «دهب.. ياقوت.. مرجان، أحمدك يا رب». هذا خبر سعيد دون شك، نظرا لضخامة حجم الحقل (30 تريليون قدم مكعب)، وقيمته (المقدرة بـ120 مليار دولار)، وإمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى فى غضون سنة. صحيح أن الاكتشاف يرجع إلى 2015، لكن تفعيله يرجع إلى نجاح جهود ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان، وسداد مديونيات شركات البترول الأجنبية.
الآن، وبعد أن هدأت الأمور نسبيا: هل سوف يغنينا هذا الاكتشاف، وأى اكتشافات أخرى، عن الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى المنشود؟ لا أظن ذلك. للإيضاح، دعونا نتساءل: هل نجحت الدول التى أنعم الله عليها بثروات طبيعية كبيرة فى تحقيق الرخاء لمواطنيها؟ إذا كانت الإجابة مشروطة، ما هى تلك الشروط؟ وأخيرا، ماذا يعنى كل ذلك بالنسبة لنا؟.
هناك العديد من الأمثلة التى تؤكد أن وفرة الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، ليست شرطا ضروريا لرخاء الشعوب، وما علينا إلا أن نقارن بين النرويج ونيجيريا. كلتا الدولتين محظوظتان بوفرة النفط، لكن التفاوت بينهما شديد فى مستوى الرفاهة، كما تؤكده مؤشرات نصيب الفرد من الدخل القومى، والعمر المتوقع، وعدد سنوات التعليم وجودته، ونظم الحماية الاجتماعية، ومعدلات الجريمة، ومدى انتشار الأنشطة الثقافية. ولا تقتصر هذه الظاهرة على هاتين الدولتين، بل تنتشر فى أرجاء المعمورة. فى أمريكا الجنوبية، فنزويلا تمثل المثال السلبى، وشيلى المثال الإيجابى. فى أفريقيا، تمثل ليبيا المثال السلبى، وجنوب أفريقيا المثال الإيجابى. فى آسيا، لم يستفد العراق من ثروته البترولية الهائلة، وتقدمت اليابان دون موارد طبيعية.
إذا كانت وفرة الموارد الطبيعية لا تؤدى بالضرورة إلى الرفاهة، هل يمكن أن تكون لها آثار سلبية؟ نعم. صحيح أن الاقتصاديين لا يختلفون على أن الموارد الطبيعية تفتح الباب أمام فرص التقدم، لكنهم يسهبون فى التحذير من مغبة نوعين من الآثار السلبية: الأول اقتصادى، والثانى سياسى.
بالنسبة للأثر الاقتصادى، هناك ما يسمى المرض الهولندى، وتشخيصه أن تدفق العملة الأجنبية الناتج عن تصدير النفط يقوى العملة المحلية، ويفقد الاقتصاد تنافسيته فى الأسواق العالمية. من هنا، تتجه الموارد نحو إنتاج سلع غير قابلة للتجارة، مثل العقارات، لإشباع السوق المحلية، ويقل تدفقها إلى الأنشطة الإنتاجية القابلة للتصدير. ونتيجة لذلك، ينتهى الأمر بهذه الدول إلى اعتماد اقتصادها على سلعة واحدة، مما يعرضها لتقلبات كبيرة نتيجة التغير فى الأسعار العالمية، فضلا عن تهديد نضوب الموارد الطبيعية، آجلا أو عاجلا.
الأثر السلبى الذى لا يقل أهمية عن المرض الهولندى هو المتعلق بالعلاقة بين توفر الموارد الطبيعية بغزارة وطبيعة نظام الحكم. الفكرة هنا، وقد تم تداولها منذ سبعينيات القرن الماضى على يد عدد من الاقتصاديين، من بينهم الدكتور حازم الببلاوى، هى أن وفرة الموارد تؤدى إلى عدم حاجة الحكام إلى فرض ضرائب على مواطنيهم، وبالتالى عدم شعورهم بالحاجة إلى إشراكهم فى الحكم. من هنا تتفشى ظاهرة غياب الديمقراطية فى كثير من الدول الغنية بالموارد الطبيعية.
من جانبى، لا أختلف مع إمكانية أن يكون لوفرة الموارد الطبيعية مثل هذين الأثرين السالبين، وإن كنت أختلف فيما إذا كانت وفرة الموارد الطبيعية هى التى تؤدى إلى غياب الحكم الرشيد، أم أن غياب الحكم الرشيد هو الذى يؤدى إلى التعرض للمرض الهولندى وغياب الديمقراطية. قناعتى هى أن غياب الحكم الرشيد هو الذى يؤدى إلى الاستخدام السيئ للموارد الطبيعية، وخير مثال على ذلك استفادة النرويج من الاكتشافات البترولية لأنها كانت تتمتع بنظام حكم رشيد قبل اكتشاف النفط، والعكس صحيح فى الحالة النيجيرية وكثير من دول النفط العربية.
ماذا يعنى كل هذا بالنسبة لنا؟ أولا، ليس هناك شك فى أن تدشين حقل «ظهر» للغاز الطبيعى فى مصر إنجاز يستحق الاحتفاء به. ثانيا، ما تؤكده تجارب الدول الأخرى أن اكتشاف الموارد الطبيعية ليس بديلا عن ترسيخ مبادئ الحكم الرشيد. ثالثا، من الضرورى، ونحن نبحث عن حقول جديدة، أن نعمل بنفس الحمية على بناء مؤسسات الدولة الحديثة، لأنها الضمانة الحقيقية للتنمية العادلة والمستدامة.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية