توقيت القاهرة المحلي 19:10:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحلقة المفقودة

  مصر اليوم -

الحلقة المفقودة

بقلم - أحمد جلال

عند مناقشة الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى عادة ما يدور النقاش حول السبل المختلفة لتقليل عجزى الموازنة وميزان المدفوعات، ومؤخرا برامج الحماية الاجتماعية لتخفيف حدة آلام الإصلاح. وإذا كان الحوار مع البنك الدولى أو بنوك التنمية الإقليمية، مثل بنك التنمية الأفريقى، يتسع النقاش ليشمل موضوعات أخرى، مثل مناخ الاستثمار، والبنية الأساسية، والتعليم، والصحة، والصناعة، والزراعة، والبيئة. القاسم المشترك فى كل الأحوال أن الحوار يتم على مستوى رفيع بين ممثلى المؤسسات الدولية والحكومة المركزية، على افتراض أن الأخيرة قادرة وحدها على حل مشاكل الناس. والحقيقة أن هذه الفرضية مشكوك فى صحتها، بدليل أنه من الممكن أن تقوم الحكومة المركزية بكافة الإصلاحات، ولا يرى المواطن ثمارا لها فى الواقع بسبب فشل المحليات.

هذه المفارقة تثير عددا من الأسئلة: هل يكمن العيب فى برامج الإصلاح نفسها، أم فى كفاءة منظومة المحليات، أم كلتيهما؟ وإذا كانت المحليات تتحمل جزءا من المسؤولية، ما هو المطلوب لإصلاح هذه المنظومة؟

لن أخوض كثيرا فى تقييم برنامج الإصلاح الاقتصادى، وقد فعلت ذلك فى مقال سابق تحت عنوان «إصلاح برنامج الإصلاح»، وتم نشره فى «المصرى اليوم» بتاريخ 10 ديسمبر 2017. يكفى هنا إعادة القول بأننا نحتاج، بالإضافة لبرنامج الإصلاح الكلى فى إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، برنامجين آخرين. البرنامج الأول مرتبط بتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة فى قطاعات الاقتصاد المختلفة (من صناعة، وزراعة وخدمات)، وزيادة إنتاجيتها..

البرنامج الثانى مرتبط بتوفير قدر أكبر من تكافؤ الفرص عن طريق إعادة النظر فى سياسات المالية العامة (من ضرائب وإنفاق) وإصلاح قطاعات التعليم والصحة والمرافق الأساسية. طبعا هناك مبادرات من جانب الحكومة على هذين المحورين، لكنها لا تتسم بالتكامل ودقة التوقيت والتنفيذ التى يتمتع بها برنامج الإصلاح الكلى. ورغم قناعتى بأننا فى حاجة لإصلاح برنامج الإصلاح، فضلا عن تنشيط الحياة السياسية، أعتقد أن أحد أسباب الفجوة بين ما يتم من إصلاح وإحساس المواطن بالإنجاز على أرض الواقع هو فشل المحليات. نعلم جميعا أن المواطن يذهب للمدرسة للحصول على تعليم لأبنائه فى الحى الذى يقطنه، ويذهب المريض إلى أقرب مستشفى طلبا للعلاج، ويذهب أصحاب المحلات والورش والمصانع إلى مسؤولى الإدارة المحلية للحصول على التراخيص اللازمة، كما يذهب المواطن إلى أقسام البوليس القريبة منه فى حالة نشوب خلافات. أى أن تلبية معظم احتياجات المواطن تعتمد على مسؤولين وموظفين فى المحليات، وهؤلاء لديهم من السلطات وغياب المساءلة ما يمكنهم من تعطيل أى آثار إيجابية للإصلاح، الذى يقوم به من يجلسون على قمة الهرم الحكومى. أكثر من ذلك، تتسم المحليات بآفات أخرى، مثل الرشوة والمحسوبية والتقاعس عن تطبيق القانون. ببساطة شديدة، دون إصلاح المحليات، من الممكن أن تتلاشى عوائد الإصلاح على المستوى المركزى، أو أن تضمحل فى أحسن الأحوال. إذا كان الأمر كذلك، فماذا نحن فاعلون؟ فى كثير من الدول التى تحقق توازنا معقولا بين الحكومة المركزية والولايات (أو المحافظات)، مثل أمريكا، يتم اقتسام السلطة بشكل يسمح للمحليات بحرية الحركة وتحمل تبعات النتائج. صحيح أن الولايات تلتزم بدستور البلاد ويخضع سكانها للقوانين المركزية، إلا أنها تتمتع فى نفس الوقت بسمات الحكم الرشيد، من محافظ منتخب، ومجالس محلية منتخبة، ومحكمة دستورية، وقوى أمنية، وولاية على تقديم الخدمات المختلفة. وتستطيع الولايات أن تفرض ضرائب محلية، وأن توجه الإنفاق بالشكل الذى يرضى ناخبيها. بحكم قرب هؤلاء المسؤولين من الواقع، وبحكم أنهم معرضون للمساءلة أمام ناخبيهم، وبحكم المنافسة بين الولايات على جذب الموارد، ليس من المستغرب أن يؤدى كل هذا لتحسن الأداء.

ماذا يعنيه كل هذا بالنسبة لنا، خاصة ونحن على أعتاب إصدار قانون جديد للمحليات؟ أظن أننا أمام فرصة حقيقية لإرساء مبادئ الاستقلالية والمساءلة على المستوى المحلى، دون الإخلال بوحدة الوطن. عدم اغتنام هذه الفرصة يفقدنا إحدى الحلقات الهامة فى تحسين حياة المواطن اليومية. وبالمناسبة، لمن درسوا علم الاقتصاد، ليس من قبيل الصدفة أن النظرية الاقتصادية لها شقان: الاقتصاد الكلى والاقتصاد الجزئى. المقابل لهذه الثنائية أن الحكم الرشيد على مستوى المحليات لا يقل أهمية عن رشادة الحكم على مستوى الدولة.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلقة المفقودة الحلقة المفقودة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon