بقلم - أحمد جلال
حزم سعيد، أحد الذين يعملون معى، أمره على بيع سيارته وشراء سيارة جديدة فى ديسمبر 2017، وكانت نصيحتى له أن يرجئ الشراء حتى يناير 2018 لأن أسعار السيارات سوف تنخفض. كان توقعى مبنيا على ما التزمت به مصر فى اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التى تنص على تخفيض تدريجى للجمارك على السيارات الواردة من أوروبا بنسبة 10% سنويا، ليصبح الإعفاء الجمركى كاملا فى يناير2019، لكن وزارة الصناعة كان لها رأى آخر، فقد اتخذت قرارا بتأجيل قرار التخفيض لمدة عام قبل نهاية 2017 بأيام قليلة، ولم تكن هذه هى المرة الأولى، فقد سبق إرجاء شريحة التخفيض فى 2014. هذا يعنى أن مصر سوف تضطر إلى تخفيض الجمارك بواقع 30% فى يناير 2019. والحقيقة أننى حاولت جاهدا أن أجد منطقا مقنعا لهذا القرار، ولم أجد.
من باب الإنصاف، جاء تبرير وزارة الصناعة فى بيان لها كما يلى: «إن الإجراء يأتى حرصا على دعم ومساندة الصناعة الوطنية بعد دراسة سوق التصنيع المحلية والآثار السلبية عليها». لم أجد هذا التبرير مقنعا، خاصة إذا تساءلنا: هل نجحت الحماية الجمركية فى مصر فى بناء صناعة وطنية؟ وما الآثار التوزيعية لهذا القرار؟ وبشكل عام، ماذا نحن فاعلون لتنمية الصناعة الوطنية، عن حق؟.
بالنسبة للسؤال الأول، يتفق معظم الاقتصاديين على أن الصناعة لا تزدهر تحت الحماية، إلا فى حالات استثنائية ومشروطة. فى الحالة المصرية، لم تنجح سياسة الحماية، على الأقل طبقا لدراسة مفصلة قمت بها بالاشتراك مع الدكتورة نهال المغربل، وضمنها كتاب صادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى 2008. فى هذه الدراسة تم تقييم أداء كافة الصناعات المصرية فى الفترة 1980-2000، وكانت النتيجة أن الصناعات التى حققت تحسنا ملحوظا فى إنتاجيتها الكلية، أى زيادة الإنتاج بعد طرح الزيادة فى رأس المال والعمل، لم تتلق حماية من الدولة، والعكس صحيح. هذا يعنى أن الصناعات التى اضطرت للمنافسة سعت للتجويد حتى لا تتآكل، فى حين تقاعست الصناعات التى حظيت بالحماية. هناك أمثلة مخالفة لذلك، مثل تجربة كوريا الجنوبية، لكن هذا النجاح صاحبه اشتراطات لم تتوفر فى الحالة المصرية.
ماذا عن الآثار التوزيعية لقرار تأجيل تخفيض الجمارك؟.. ببساطة شديدة هذا القرار يمثل تحيزا واضحا لحساب ملاك مصانع تجميع السيارات ومن يعملون فى هذه الصناعة، على حساب المستهلكين، ومن بينهم سعيد. إضافة لذلك، للقرار من الآثار السلبية ما يفوق الآثار الإيجابية بكثير. من هذه الآثار السلبية أن الاقتصاد سوف يستمر فى تخصيص قدر من موارده فى صناعة ثبت عدم قدرتها على النضج على مدى ما يقرب من 60 سنة. الأثر السالب الآخر هو فقدان قدر من مصداقيتنا إذا لم نلتزم بما وقعنا عليه من اتفاقيات. أهم من هذا وذاك، هذا القرار يعطى انطباعا قويا باستمرار تحالف الحكومة مع قلة من المنتجين (المنظمين) على حساب جموع المستهلكين (ممن لا صوت لهم).
ماذا يمكن أن نفعله للخروج من هذا المأزق؟. ليس لدىّ شك فى أهمية الصناعة فى بناء اقتصاد وطنى قوى، وفى أننا قادرون على تحقيق ذلك، بما لدينا من موارد بشرية، وقاعدة صناعية متنوعة، وسوق محلية واسعة، فضلا عن أسواق خارجية تربطها بمصر اتفاقيات تجارة حرة. ما ينقصنا هو وضوح الرؤية ورشادة السياسات المتبعة. بالنسبة لصناعة السيارات، طرحت تصورا للنهوض بها فى مقال تم نشره فى «المصرى اليوم» تحت عنوان: «صناعة السيارات.. الوليد الذى لم ينضج» بتاريخ 7 مايو 2017. بالنسبة للتنمية الصناعية بشكل عام، العناصر الحاكمة فى رأيى هى: المنافسة، والتوجه نحو التصدير، ورشادة سياسة سعر الصرف، وإصلاح مؤسسى يخفض من تكلفة المعاملات. من الممكن فى حالات استثنائية مد يد العون لقلة من الصناعات الرائدة والواعدة لبعض الوقت، لكن أن تصبح الحماية أسلوب حياة فذلك ليس فى صالح المستهلك أو التقدم الاقتصادى.
عودة لسعيد، قد يكون فى صالحه الآن أن ينتظر حتى 2019، إذا أمكنه ذلك. السؤال الأكثر أهمية لمن بيدهم الأمر هو: ألم يحن الوقت للإقلاع عن سياسة الحماية التى لا تخدم سوى جماعات مصالح ضيقة، حتى وإن جاءت تحت مسميات جذابة مثل حماية الصناعة الوطنية؟!.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه