بقلم - أحمد جلال
قليلة هى الأخبار السعيدة التى كانت تأتى بها السفن والمسافرون فيما مضى، ولم يتغير الحال كثيرا بعد ثورة التكنولوجيا الحديثة التى أدت إلى انتقال المعلومات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى فى لحظات. استثناء لهذه القاعدة، جاءتنى مؤخرا إحدى الرسائل بأخبار سعيدة، نقلا عن منظمة الصحة العالمية، بخصوص تصنيف جديد للأعمار. الآن يعتبر من الشباب كل من كان عمره 65 عاما فأقل، بينما يتراوح سن متوسطى العمر بين 66 و79 عاما، أما كبار السن فيتراوح عمرهم بين 80 و90 عاما، وأخيرا يعتبر معمرا من زاد عمره على 100 عام. هذه الأنباء الطيبة تعنى لمن هم فى سن صغيرة نسبيا أن أمامهم متسعا من الوقت لتحقيق آمال وطموحات لم تخطر لهم على بال. بالنسبة لمن يعيشون فى مرحلة عمرية متقدمة، هذه الأخبار تعطيهم الفرصة للإقبال على الحياة من جديد.
كمجتمع، توابع الزيادة العمرية المتوقعة للسكان تفرض إعادة التفكير فى ثلاث مسائل مهمة: المسألة السكانية، ومسألة توظيف الثروة البشرية، وأخيرا وليس آخرا، منظومة الحماية الاجتماعية والأنشطة المصاحبة لها.
فيما يتعلق بالمسألة السكانية، الزيادة المتوقعة للأعمار تعنى أن الزيادة السكانية لها الآن مصدران: المصدر الأول هو الزيادة فى معدل المواليد ناقص الوفيات، والمصدر الثانى هو زيادة عدد سنوات العمر. هذا التغير ليس جديدا، حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع للفرد فى منطقة الشرق الأوسط من 52 سنة فى 1970 إلى 73 سنة فى 2015. الجديد هو أن الزيادة العمرية الجديدة تمثل قفزة غير مسبوقة فى وقت قصير، مما يفرض إعادة النظر فى المسألة السكانية برمتها. لعقود طويلة، انشغلت الحكومات بكيفية الحد من المواليد حتى يرى المواطن تحسنا فى نصيبه من الدخل القومى، وتتمكن الموازنة العامة من توفير خدمات التعليم، والصحة، والمرافق الأخرى. وعليه، تبنت الحكومات، بما فى ذلك مصر، برامج لتنظيم الأسرة، عناصرها الرئيسية نشر الوعى بخطورة الزيادة السكانية، وإتاحة وسائل منع الحمل، والعناية الصحية بالمرأة، وتبنى سياسات تحفيزية لحث المواطنين على تنظيم النسل، ووصل الأمر بالصين فى مرحلة معينة لفرض سياسة الطفل الواحد. الآن، وبعد القفزة المتوقعة وغير المسبوقة فى عمر الإنسان، من الضرورى أن تتسع دائرة التفكير فى السياسة السكانية لتشمل ظاهرة زيادة العمر المتوقع، إضافة للحد من النسل، وقد سبقتنا فى ذلك الدول المتقدمة.
أحد توابع الزيادة السكانية بالمعنى المشار إليه مرتبط بقضية توظيف الثروة البشرية، خاصة فى إطار تطور تكنولوجى ومعرفى سريع، سمته الأساسية الاعتماد على الآلات والعمالة الماهرة بدرجة أكبر مما سبق. ترجمة هذين التطورين على جانب الطلب تفرض وضع تصور متكامل لطبيعة الأنشطة التى سوف نسعى إلى التوسع فيها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السكان. على جانب العرض، هذه التطورات تفرض علينا تبنى نظم جديدة فى التعليم والتدريب لتنمية المهارات المطلوبة مستقبلا. ببساطة شديدة، تعظيم العائد المجتمعى والفردى من الموارد البشرية مستقبلا يتطلب إعداد خطة متكاملة لجانبى العرض والطلب فى ظل عالم سريع التطور تكنولوجياً.
أحد التوابع الأخرى للأخبار السعيدة بطول العمر المتوقع له علاقة بمنظومة الحماية الاجتماعية، خاصة أن التركيبة السكانية سوف تشهد أعدادا أكبر فى الشريحة السكانية الأكبر عمرا، وتناقصا فى الشريحة السكانية الأصغر سنا. هذا التغير يعنى أن الطلب سوف يزداد على الخدمات الصحية والترفيهية وبيوت رعاية الكبار. على افتراض أن جزءا من شريحة كبار السن سوف يكون لديهم من المدخرات ما يمكنهم من شراء هذه الخدمات، لا شك أن هناك شريحة لن تكون قادرة على ذلك. هذا يعنى الحاجة لتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، كما يعنى أهمية إعادة هندسة منظومة التأمينات والمعاشات من جوانب مختلفة، بما فى ذلك قاعدة المشتركين، ونسب المشاركة، وسن التقاعد.
القصة باختصار إذن، هناك ما يدعونا لمساندة الدعوة التى تجددت مؤخرا فى اتجاه تجديد جهود تنظيم الأسرة، وقد خفتت فى السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، علينا الانتباه إلى ظاهرة الزيادة السكانية المتوقعة من جراء زيادة متوسط العمر، وتبنى السياسات المناسبة لحماية الفرد والمجتمع. وإذا كانت الأخبار بزيادة العمر المتوقع من الأخبار السعيدة القليلة هذه الأيام، فلها من التوابع على المجتمع ما يفرض علينا إعداد العدة لها مسبقا.
نقلا عن المصري اليوم القاهريه