بقلم - أحمد جلال
تابعت باهتمام شديد مؤتمر «حكاية وطن»، الذى استمر ثلاثة أيام (17- 19 يناير)، وأعلن فيه الرئيس ترشحه لفترة رئاسية ثانية، كما يسمح به الدستور. قبل ذلك، كنت متابعا جيدا لخطاب مرشحى الرئاسة السابقين، من انسحب منهم ومن بقى. هذه أحداث مهمة لأننا على أعتاب انتخابات رئاسية فى غضون أسابيع قليلة، وأننا من المفروض فى سبيلنا لوضع لبنة جديدة فى بناء دولة ديمقراطية حديثة.
والحقيقة أننى خرجت من هذه المتابعة بمشاعر مختلطة. من ناحية، وجدت خطاب الرئيس فى افتتاح المؤتمر صادقا فى محتواه ودقة أرقامه، كما كان صادقا فى الاعتراف بشجاعة المواطن المصرى على تحمل أعباء الإصلاح الاقتصادى. ولأن المرشحين الآخرين ليس لديهم سجل سابق فى سدة الرئاسة، جاء خطابهم مليئا بالنقد لما تم اتخاذه من قرارات، وأفكار عامة عما يمكن أن يقدموه لو فازوا فى الانتخابات. ما افتقدته فى كل ما قيل من قبل كل المرشحين حتى الآن أمور ثلاثة:
■ أولا، الحديث عن المستقبل، وليس النظر إلى الوراء، إيجابا أو سلبا.
■ ثانيا، الحديث عن خطوات إصلاح المنظومة السياسية.
■ ثالثا، الحديث عن وعود محددة لحل مشاكل المواطنين، سواء كان ذلك فى الاقتصاد (مثل التضخم والبطالة)، أو العدالة الاجتماعية (مثل الضرائب والتعليم والصحة)، أو السياسة (مثل قانون التظاهر)، أو الثقافة (خاصة فيما يتعلق بدور الدولة).
لتوضيح ما أعنيه، دعونا نبدأ بمسألة الحديث عن المستقبل. من متابعتى للانتخابات الرئاسية فى دول كثيرة، عادة ما يكون الجدل بين مرشحى الرئاسة حول البدائل التى يعتقدون أنها صحيحة للتغلب على المشاكل التى تهم الناخبين. صحيح أن إنجازات المرشح السابقة يمكن اعتبارها دليلا عل قدرته على الفعل، لكن المشاكل تتجدد مع الوقت، وما كان صالحا كحل فى مرحلة معينة قد لا يكون كذلك فى مرحلة لاحقة. فضلا عن ذلك، ليس هناك حلول وحيدة وقاطعة للمشاكل، ولذلك فإن الصالح العام يقتضى تمحيص البدائل المختلفة واختيار أفضلها. لهذه الأسباب، الحديث عن المستقبل من شأنه أن يساعد الناخب على بناء توقعات رشيدة، وبالتالى اتخاذ خيارات سديدة.
أما بالنسبة للحياة السياسية، فليس هناك شك فى أننا لم نصل بعد إلى مرحلة كافية من نضج فى الممارسات الديمقراطية، وأننا لم نقم بتفعيل كامل للدستور حتى الآن، وذلك بعد ثورتين على نظام لم يكن محل رضاء المواطنين. الدليل على ذلك أن الحكومات التى تلت ثورة يناير 2011 لم تأت من حزب أو أحزاب سياسية بعينها، وأن المعارضة مازالت غير منظمة أو فاعلة، وأن استقلال الإعلام مازال محل نقاش، وأن دور الجمعيات الأهلية مازال محل شك. وإذا كانت أمريكا مستمرة فى بحثها حتى الآن عن طرق تضمن بها سلامة نظامها السياسى، مثل موضوع تمويل الحملات الانتخابية، فما بالك بدولة كمصر، وهى تمر بمرحلة تحول من نظام يكاد يكون شموليا إلى نظام أكثر انفتاحا. الفكرة هنا أن حاجتنا للإصلاح السياسى أكثر إلحاحا من غيرنا، خاصة أن التجارب الدولية تشير إلى أن طبيعة النظام السياسى هى التى تمثل الفارق الأكثر تأثيرا فى مصائر الأمم. ببساطة، نحن فى حاجة إلى خريطة طريق للإصلاح السياسى، كما نحن فى حاجة إلى خريطة طريق للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
وأخيرا، فيما يتعلق بالوعود الرئاسية، ظنى أن المواطن أو الناخب يريد أن يسمع من المرشحين متى وكيف تتحقق آماله فى حياة أفضل فى موضوعات محددة. أهمية التصريح بهذه الوعود أثناء الحملات الانتخابية أننا لم نصل بعد إلى مرحلة يتم فيها انتخاب المرشح الرئاسى من أحزاب راسخة الأقدام وذات توجهات معروفة بتحيزاتها مسبقا، مثل الحزبين الديمقراطى والجمهورى فى أمريكا، أو حزبى العمال والمحافظين فى إنجلترا. وإذا كانت الانتخابات نوعا من التعاقد بين مرشحى الرئاسة والمواطنين، أظن أن من حق الناخب أن يعرف شروط هذا التعاقد مسبقا حتى يدلى بصوته على بينة.
عودة إلى خطاب مرشحى الرئاسة، كل ما أرجوه أن يتسع صدرهم للحديث عن بعض ما هو مسكوت عنه. التجربة الديمقراطية فى مصر مازالت فى بدايتها، وهى تجربة تستحق أن نعطيها جميعا كل فرص النجاح من أجل بلد نحبه كثيرا، ونتمنى له نهضة غير مسبوقة.
نقلا عن المصري اليوم