توقيت القاهرة المحلي 03:55:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المصريون القدماء والمصريون الجدد

  مصر اليوم -

المصريون القدماء والمصريون الجدد

بقلم - أحمد جلال

زرت فى يناير المنصرم مدينة إيطالية اسمها «بومبى»، ولهذه المدينة قصة تستحق أن تروى فى معرض حديثنا عن المصريين القدماء والمصريين الجدد. قصة هذه المدينة أنها تعرضت للزوال تحت الرماد الحارق لثورة بركانية من جبل يعتليها اسمه فيزوف عام 79 م. وظلت المدينة تحت الرماد، بقصورها، ومعابدها، ومسارحها، وساحاتها الرياضية، وتماثيلها، وبيوتها، وشوارعها، وسكانها، حتى بدأ الإيطاليون الجدد عمليات حفر وتنقيب وترميم لها عام 1748 م. لم تهدأ هذه الصحوة حتى عادت المدينة للحياة، مع شروح لقصة كل قصر، وساحة، ومعبد، وطريقة حياة السكان، ومعتقداتهم، وأسماء الشوارع... إلخ، وأصبحت مزارا سياحيا قادرا على جذب حوالى 7-8 ملايين سائح سنويا، وهذا رقم مماثل لعدد السياح الذين يأتون لمصر فى العام هذه الأيام.

وإذا كان الإيطاليون الجدد قد عرفوا كيف يستغلون ما تركه الأجداد بجدارة.. فماذا فعلنا نحن كمصريين جدد بما تركه لنا المصريون الأوائل؟ أظن أننا ارتكبنا خطايا ثلاثا، الاعتراف بها مقدمة أساسية للتغلب عليها. هذه الخطايا يمكن عنونتها كالآتى، مع الاعتذار مقدما على حدة اللغة: قصر النظر، وقصور الأداء العام، والتباهى.

بالنسبة لقصر النظر، ليس من الصعب ملاحظة أن بعض المتعاملين مع السياح يرون فيهم فريسة يجب ابتلاعها اليوم، وليس غدا، بحيل مختلفة. هذا السلوك ينطبق على بعض أصحاب الجمال والأحصنة فى منطقة الأهرامات وغيرها من المناطق السياحية، وبعض بائعى المشغولات المصرية فى خان الخليلى وغيرها من الأسواق، وبعض سائقى التاكسى، وبعض عمال الفنادق العريقة، وحتى بعض المسؤولين عن حراسة الآثار. بالطبع هذا السلوك يحقق منفعة آنية وشخصية لهؤلاء، لكنه يؤدى فى نفس الوقت لضرر عام فى الأجل الطويل، نتيجة إحجام السياح ومعارفهم عن المجىء مرة ثانية لمصر.

ما يسمح باستمرار سلوك قصر النظر هو تقاعس المسؤولين عن القيام بدورهم بما يحقق الصالح العام. صحيح أن الوزارات المعنية تعمل على تشجيع المستثمرين فى مجال السياحة، والتنقيب عن آثار جديدة، والترويج للسياحة، والحفاظ على الأمن، ولكن هناك قصور بين فى استغلال الآثار التى تركها لنا المصريون الأوائل (خاصة أن مصر لديها ما يقدر بثلث آثار العالم)، وما أعطانا الله من سواحل وجو معتدل، وما لدينا من فرص للسياحة الترفيهية، والثقافية، والعلاجية. مقارنة بالدول الجاذبة للسياح، ليس لدينا ما يكفى من متاحف، ومعارض فنية، وحفلات موسيقية، ومنتجعات سياحية، وقواعد عمل يتم الالتزام بها. إضافة لذلك، ما يتم تقديمه من خدمات تنقصها الجودة بسبب غياب التنسيق بين الوزارات المختلفة، وضعف الوعى السياحى لدى المواطنين، وغياب التخطيط الرشيد، وانظر إلى هضبة الأهرام وما يجاورها من عشوائيات. إذا أردنا أن نستغل ما لدينا من ثروات سياحية، فالمطلوب لا يقل عن ثورة فى هذا القطاع الواعد من قبل المؤسسات المعنية، وعلى رأسها وزارات السياحة والآثار والمحليات.

وأخيرا.. ماذا عن فكرة التباهى؟ بداية، من الطبيعى أن تتباهى الدول بتاريخها وحاضرها، لكن ما يلفت النظر أن هذه الصفة تبدو أكثر شيوعا فى مصر وأمريكا أكثر من غيرهما من الدول. ففى أمريكا يصل حد التباهى بالحاضر إلى إضافة كلمة «الدولية» إلى المسابقات الرياضية المحلية، مثل مباريات المصارعة والبيسبول، وفى مصر، نسمى بلدنا أم الدنيا. وإذا كان للأمريكان الحق فى المباهاة بحاضرهم، بحكم قوتهم الاقتصادية والعسكرية، وبحكم نصيبهم الكبير من جوائز نوبل فى العلوم والطب والأدب والاقتصاد، فمباهاتنا تتوقف بدرجة كبيرة على إنجازاتنا فى الماضى. طبعا لدينا بعض الإنجازات فى الحاضر، بما فى ذلك جائزتا نوبل فى الأدب (نجيب محفوظ) والكيمياء (أحمد زويل)، لكننا لسنا فى مصاف الدول المتقدمة بعد، كما أن جوائز نوبل ترجع بدرجة كبيرة إلى مواهب فردية فذة لمن حصلوا عليها.

فى نهاية الأمر، وحتى لا يؤخذ كلامى على أنه نوع من جلد الذات، ليس لدىّ شك فى أن لدينا ما نفخر به من ماض عريق وبعض الإنجازات فى الحاضر. لكن ظنى أن هذه الإنجازات أقل بكثير مما نحن قادرون عليه، بسبب قصر نظر البعض، وتقاعس البعض الآخر، والاكتفاء بالتباهى بالماضى. ما نحتاجه بشدة أن نربط ماضينا بحاضرنا، وخير مثال على ذلك قصة مدينة «بومبى» التى ذكرتها فى مقدمة المقال.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصريون القدماء والمصريون الجدد المصريون القدماء والمصريون الجدد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon