توقيت القاهرة المحلي 19:14:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ميادين روما وميادين مصر

  مصر اليوم -

ميادين روما وميادين مصر

بقلم - أحمد جلال

فى زيارة أخيرة لروما، لم أستطع أن أمنع نفسى من الإحساس بالفخر مجددًا لرؤية مسلاتنا المصرية فى أجمل ميادين هذه المدينة الرائعة.

عند عودتى للقاهرة لم أستطع أن أمنع نفسى مجددا من الإحساس بالأسى على أحوال مياديننا.

دون توجيه أصابع الاتهام لأحد، دعونا نتساءل بموضوعية:

هل هذه الأحاسيس لها ما يبررها؟

وما أسباب تردى أحوال مياديننا؟

وهل من مخرج يعيد لها رونقها، وقد كانت القاهرة أجمل مدينة فى العالم عام 1925؟

نقطة البداية هى الاعتراف بأن ميادين روما مبهرة، وأن ميادين مصر لا تسر عدوًا ولا حبيبًا. تمتلئ ميادين روما، إضافة للمسلات المصرية، بتماثيل كثيرة وبديعة من عصور مضت، وكلها معروضة بحس فنى عالٍ، وإضاءة متميزة، وأحيانا نافورات مبهرة. كما تحتفى شوارعها وميادينها بكنوز أخرى، من كنائس تزينها رسوم فنانين كبار مثل مايكل أنجلو، وليوناردو دافنشى، وكارافاجيو، ورافائيل، وصروح ألعاب رياضية قديمة مثل الكالاسيوم، وحدائق غناء مثل حديقة «بورجيزة» التى تضم متاحفَ للفن القديم والحديث، وتماثيلَ لشعراء من بينهم بوشكين الروسى وأمير الشعراء أحمد شوقى.

ببساطة شديدة، المدينة تبدو كما لو كانت معرضًا مفتوحا للفنون، تم تقديمه على طبق من ذهب لأهلها وزائريها.

بالمقارنة، تبدو مياديننا إما خاوية على عروشها، أو أن تماثيلها تعانى من الإهمال الشديد.

أسوأ من هذا وذاك ما وصفه محمد البرمى فى جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 6 أغسطس 2018 تحت عنوان «من لم تَطَلْه يد الإهمال شوهه التطوير: قصة 9 تماثيل سيئة الحظ بميادين مصر». التماثيل التسعة كانت لطلعت حرب فى قلب القاهرة الخديوية، وأم كلثوم فى الزمالك، ومحمد عبدالوهاب فى باب الشعرية بالقاهرة، والخديوِ إسماعيل فى الإسماعيلية، وأم البطل الشهيد فى سوهاج، وعبدالمنعم رياض فى بورسعيد، وعباس العقاد فى أسوان، وأحمد عرابى فى قرية رزنة بالزقازيق، ورفاعة رافع الطهطاوى فى سوهاج، وراقصة الباليه فى أكاديمية الفنون بالإسكندرية. تحت عنوان التطوير، تعرضت هذه التماثيل للتشويه بالطلاء العشوائى، أو الترميم الذى أفقدها هويتها، أو ستر عورتها بقطعة قماش، أو نقلها بالبلدوزر لتوسيع ميادين. بشكل عام، نتعامل مع تراثنا، فرعونيا وقبطيا وإسلاميا، كرأسمال مستباح تحكمه عشوائية القرارات والمرتزقة، ناهيك من افتقاد الروح الجمالية.

هل من مخرج يعيد لمياديننا رونقها؟ بالتأكيد، لكن بشروط ثلاثة:

الشرط الأول اعتبار الجمال مسألة مهمة فى حياتنا، على الأقل بحكم رغبتنا فى تشجيع السياحة، والأفضل من ذلك، لأن لدينا تراثًا حضاريًا رفيعًا، وفنانين على مستوى عالمى، ومحبين للجمال فى مشهد يسوده القبح.

الشرط الثانى هو الاقتناع بأن الممارسات الحالية غير فعالة. على سبيل المثال، عندما تم تشويه تمثال «الخديوِ إسماعيل» بالإسماعيلية، كان رد فعل الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، هو تكوين لجنة من خبراء قطاع الفنون التشكيلية والجهاز القومى للتنسيق الحضارى لتقصى الحقائق، وإعادة التمثال لحالته الأولى.

هذا رد فعل إيجابى، لكن هل سوف يمنع تكرار ما حدث، وماذا كان عقاب من خالف قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر فى 2016 الذى يحظر عمليات تجميل أو وضع تماثيل أو ترميمها دون الرجوع لوزارتى الثقافة والآثار؟

بالنسبة لما تم فى شارع المعز بالقاهرة القديمة من تجديد واحتفاء بمبانيه الأثرية، هذا أيضا عمل إيجابى، وقد جعل منه مزارا للمصريين وغيرهم.

المشكلة أن مدننا زاخرة بمثل هذا الشارع، وإذا أردنا تعميم التجربة بنفس معدلات الأداء السابقة، ألن يأخذ هذا وقتًا أطول بكثير مما يجب؟

وأخيرا: ليس هناك شك فى أن تشكيل لجان مؤقتة لتجميل وجه القاهرة هو محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهذا أيضا توجه إيجابى.

لكن هل لهذه اللجان أنياب قانونية؟

وماذا سيحدث عندما تنتهى من عملها؟

وما علاقتها بوزارات الآثار والثقافة والسياحة والإدارة المحلية؟

الشرط الثالث، إذا كنا جادين فعلا فى تجميل ميادين مصر، قد يكون إسناد مهام تجميل ميادين مصر لمؤسسة واحدة، وتمكينها ماليا وبشريا وفنيا، ومساءلتها عن النتائج.

فى النهاية، قد لا نستطيع تجميل ميادين مصر لتصل إلى درجة جمال ميادين روما فى الأجل القصير لأسباب كثيرة، لكن ذلك ليس عذرًا لاستمرار الأحوال على ما هى عليه.

ولنتذكر سويا الحديث النبوى: «إن الله جميل يحب الجمال».

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميادين روما وميادين مصر ميادين روما وميادين مصر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon