توقيت القاهرة المحلي 18:57:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السعادة الاقتصادية!

  مصر اليوم -

السعادة الاقتصادية

بقلم - أحمد جلال

تلقيت مؤخراً دعوة كريمة للمشاركة فى المؤتمر السنوى الرابع لأكاديمية السادات، تحت عنوان غير تقليدى: «من النمو الاقتصادى إلى السعادة الاقتصادية». هذا العنوان يحرض فى جوهره على استبدال النمو الاقتصادى بالسعادة الاقتصادية كهدف للتنمية، وهو ما أثار فى ذهنى عدة أسئلة: لماذا حظى معدل النمو حتى وقت قريب بقدر عالٍ من الاحتفاء به، ولماذا يأفل نجمه هذه الأيام؟ وإذا لم يكن النمو الاقتصادى هدفا مقنعا، هل يمكن اعتبار السعادة الاقتصادية بديلا أفضل؟ وأخيرا، هل مصر فى حاجة إلى مؤشر جديد لقياس ما نحققه من تقدم على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى؟ هذه هى الأسئلة التى حاولت الإجابة عنها، وألخص الإجابات فيما يلى:

بالنسبة لشيوع استخدام معدل النمو الاقتصادى، ظنى أن ذلك يرجع لثلاثة أسباب: أولها، أنه رقم بسيط ومعبر عما تتم إضافته سنوياً للناتج القومى، إضافة إلى سهولة مقارنته من سنة لأخرى، وكذلك بين الدول. السبب الثانى مرتبط بتطور علم الاقتصاد نفسه، وما طرأ عليه من نظريات تساعد على التنبؤ بالسلوك الإنسانى فى التعامل مع ندرة الموارد وكفاءة استخداماتها، بافتراض أن الإنسان يسعى برشادة لتعظيم مصلحته الخاصة. السبب الثالث مرتبط بالسبب الثانى، وإن كان سياسيا فى طبيعته، حيث إن التركيز على الكفاءة وليس العدالة الاجتماعية يتفق مع مصالح الطبقة الثرية المتحالفة جل الوقت مع الطبقة الحاكمة.

أيا كانت الأسباب، فقد تعرض معدل النمو الاقتصادى مؤخرا للنقد الشديد لأسباب مختلفة، منها أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن زيادة الدخل فوق مستوى معين لا يجلب مزيدا من السعادة. ومنها أيضا أن إهمال عدالة التوزيع، استنادا لفكرة حصول عناصر الإنتاج بقدر مساهمتها فى الإنتاج واستحواذ المالك على نصيب الأسد، كثيرا ما يؤدى إلى زعزعة استقرار الأمم.

... إضافة لهذا وذاك، تفتقت الأذهان عن إمكانية قياس ما تحققه الدول من تقدم، إذا أرادت الحكومات، باستخدام مؤشرات موضوعية أكثر ثراء، لا يكون فيها الدخل إلا أحد المكونات.

إذا كانت هذه الانتقادات فى محلها، هل يمكن اعتبار السعادة الاقتصادية بديلا أفضل للنمو الاقتصادى؟ لا أظن ذلك، لأن السعادة الاقتصادية يتم قياسها عادة عن طريق مسوح رأى ميدانية لاستشفاف ما يشعر به الأفراد. والمشكلة هنا أن السعادة يصعب تعريفها أو إدراك ماهيتها، ناهيك عن استحالة مقارنة ما يشعر به الأفراد، خاصة مع اختلاف الثقافات. البديل الأكثر شيوعا هو قياس رفاهة الفرد أو جودة الحياة، بناء على مؤشرات موضوعية، مكوناتها إضافة لما يحصل عليه الفرد من دخل، عناصر أخرى مثل إتاحة وجودة الخدمات التعليمية والصحية والثقافية، وتكافؤ الفرص، والمشاركة السياسية، وحماية بيئية. الأمثلة على تطبيق هذا البديل عديدة، ومنها تقارير التنمية البشرية التى يصدرها البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، وتقرير «ما بعد النمو الاقتصادى» الذى أشرف عليه عدد من الحائزين على جائزة نوبل فى الاقتصاد، وتقارير اليونسكو عن التقدم الاقتصادى والاجتماعى. هذه التقارير لقيت صدى كبيرا لدى العديد من الدول، من بينها السويد، ونيوزيلاندا، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة.

بالنسبة لمصر، لم نكن بعيدين كثيرا عن هذا التحول العالمى، وقد تم بالفعل إصدار عدد من تقارير التنمية البشرية، لكن هذه التقارير توقفت منذ فترة، ولم يتم نشر آخر إصدار منها. أما وأننا نرفع الآن شعار محورية الإنسان فى جهود التنمية، ظنى أننا فى حاجة ماسة لتبنى مؤشر جديد لقياس ما يتحقق من إنجازات اقتصادية واجتماعية. لتفعيل هذا الاقتراح، أدعو وزارة التخطيط، ووزيرتها القديرة، إلى طرح مبادرة للوصول إلى توافق مجتمعى حول طبيعة وبنود هذا المؤشر، وإصدار تقارير دورية بشأنه. الاعتماد المبالغ فيه على معدل النمو الاقتصادى قد يؤدى إلى تشخيص خاطئ لمشاكلنا، وبالتالى تبنى سياسات خاطئة، ولنا فيما حدث قبل يناير 2011 مثال لا يجب أن ننساه.

عودة لفكرة التحول من النمو الاقتصادى إلى السعادة الاقتصادية، ليس هناك شك فى قصور مؤشر النمو الاقتصادى عن قياس تقدم الأمم. فى نفس الوقت، لا أظن أن السعادة الاقتصادية بديل أفضل، وذلك لغموض معناها واستحالة مقارنة ما يشعر به الأفراد. الهدف  الذى يستحق السعى لتحقيقه هو رفاهة الفرد، مقاسا بمعايير موضوعية يتم تحديدها مجتمعيا. هذا الرأى ليس تحريضا ضد النمو الاقتصادى، ولكنه دعوة لتحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعادة الاقتصادية السعادة الاقتصادية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon