بقلم - أحمد جلال
ليس لعنوان هذا المقال أى علاقة ببروتوكولات حكماء صهيون، التى يقال إنها توثيق لمؤامرة يهودية للاستيلاء على العالم. ولا علاقة له ببروتوكولات الحكومة المصرية التى لا حصر لها فى مجالات السياسة والاستثمار والتكنولوجيا. العنوان مأخوذ بتصرف من خبر جاء فى «مصراوى» فى مايو الماضى تحت عنوان «ملامح بروتوكول إعارة المعلمين».
على السطح يبدو خبر إبرام اتفاق لإعارة معلمين مصريين للسعودية تقليديا وغير مهم، لأنه يحدث بشكل متكرر، والحقيقة أنه أبعد ما يكون عن ذلك. إعارة المعلمين ليست إلا جزءا من موضوع مهم، وهو هجرة المصريين للخارج، ودور الدولة فى هذا الشأن، وكيفية تعظيم العائد منها على الاقتصاد، وعلى من يتركون أرض الوطن بحثا عن الرزق.
بداية، لماذا يجب أن نضع قضية الهجرة على قائمة أولوياتنا؟.. الإجابة ببساطة هى أن الاقتصاد القومى غير قادر على خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الداخلين الجدد فى سوق العمل سنويا، وعددهم حوالى 750،000. فى نفس الوقت، ولحسن الحظ، تتميز بعض الدول المحيطة بنا بوفرة فى رأس المال وندرة فى العمالة. لهذا، لم يكن من قبيل الصدفة أن يصل عدد المصريين الذين يعملون فى الخارج، خاصة فى دول الخليج لحوالى 8 ملايين نسمة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تقترب تحويلاتهم من 20 مليار دولار سنويا، وهو رقم غير بعيد عن إجمالى صادرات مصر السلعية. وأخيرا، لم يكن من قبيل الصدفة، على الأقل بحكم اللغة والثقافة المشتركة أن يتم إبرام البروتوكولات لعقود متتالية بين وزارة التعليم المصرية ومثيلاتها فى منطقتنا.
المدهش أن قضية الهجرة، رغم أهميتها، لم تحظَ بالعناية التى تستحقها من حكوماتنا المتعاقبة. فى أحسن الأحوال لعبت سفاراتنا فى الخارج دورا مساندا للمصريين عند تعرضهم للصعاب، وتم ترتيب بعض المؤتمرات والزيارات الرسمية لاحتوائهم، أو حل مشاكلهم، أو الاستفادة من خبراتهم ومدخراتهم. فى أسوأ الأحوال كانت عملية الحصول على تصاريح عمل فى الخارج مكلفة ومضيعة للوقت، ولم يتم تحديد جهة واحدة للتعامل مع المهاجرين. أهم من ذلك، لم تتبن الدولة سياسات واضحة لتنظيم وتشجيع وتسهيل الهجرة، ولم يكن أمام المصريين غير البحث، فرادى وجماعات، عن فرص عمل وقبول أفضلها طبقا لقانون العرض والطلب، بمساعدة الوسطاء، الشرفاء منهم والانتهازيين، أو بمساعدة أقاربهم ومعارفهم فى المهجر.
هذا ليس الأسلوب الأمثل فى التعامل مع قضية الهجرة. آليات السوق تفشل فى أسواق العمل المحلية، فما بالك بها عبر الحدود. التشوهات المحلية تنتج عن قلة المعلومات عن فرص التوظيف، وعدم توفر الوسطاء، وغياب قواعد واضحة وتنظيمات تفاوض حديثة بخصوص العلاقة بين أصحاب الأعمال والعمال، وانتشار ظاهرة التوظف عن طريق «الواسطة». هذه المشاكل موجودة فى أسواق العمل عبر الحدود، مضافا إليها ارتفاع تكلفة الانتقال بين البلدان، ومشاكل الفيزا والكفيل، فضلا عن اختلاف السمات السياسية والثقافية من بلد لآخر.
لمعالجة هذه التشوهات، من الممكن، بل ومن الواجب، أن تلعب الحكومة، ممثلة فى جهة اختصاص واحدة، دورا أكثر فاعلية مما نراه الآن، وهذه بعض الأمثلة:
■ أولا، الابتعاد عن التعقيدات الخاصة بتصاريح العمل والقيود الصارمة على الإعارات للعمل فى الخارج. أفضل من ذلك أن تقوم الحكومة بتوفير معلومات عن أسواق العمل الخارجية، وإعطاء من لديهم عقود عمل فرصة الاقتراض لتغطية تكاليف السفر، كما تفعل الفلبين.
■ ثانيا، العمل على فتح الأسواق أمام من يريدون الهجرة ولا تحتاجهم سوق العمل المحلى. هذا قد يعنى إبرام المزيد من البروتوكولات الحكومية، وبشكل أكثر إبداعا، السعى لعقد اتفاقات تسمح بحرية حركة العمالة مع بعض الدول، على شاكلة اتفاقات التجارة الحرة بالنسبة للسلع والخدمات.
■ ثالثا، اتباع سياسات اقتصادية محابية لتعظيم تحويلات المصريين، أهمها الالتزام بسعر صرف تنافسى، وتخفيض تكلفة المعاملات الخاصة بالتحويلات المصرفية.
هناك بالطبع من يتخوفون من هجرة العقول النادرة، وما قد يصاحبها من تأثيرات سلبية على الأداء الاقتصادى. لكن هل يظل هذا المنطق صحيحا إذا كان لدينا فائض فى العمالة، خاصة بين المتعلمين، وإذا كان البديل لهؤلاء هو انضمامهم لطابور البطالة؟ لا أظن ذلك. الهجرة المؤقتة فرصة حقيقية للاستفادة من ثرواتنا البشرية، وتخفيف حدة البطالة، وتوفير العملة الصعبة، واكتساب مهارات جديدة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع