توقيت القاهرة المحلي 05:49:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقام راحة أرواح

  مصر اليوم -

مقام راحة أرواح

بقلم : داليا شمس

 استمع لمقاطع من أغنية "للصبر حدود" لمحمد الموجي وأم كلثوم، من مقام راحة أرواح... المقام الشرقي الشجي له أثر تأملي، لكنه تأمل حركي وليس ساكنا مستريحا كما في الكرد. هو مقام المناجاة التي لا ترتفع لدرجة الشكوى ولا النواح، لكن بها حنين مع بعض الامتناع، ثم استمر في سماع معزوفات أخرى على العود من المقام نفسه، تحمل أيضا العديد من المتناقضات الشجية التي تجعلنا نفكر فيما حولنا من بشر يقولون الشيء ويفعلون عكسه، وبالتالي أشعر أنه مقام روح يأخذني بعيدا عن الراحة.

تمنيت لو أغلقت الغرفة بإحكام وعلمني أحدهم دعاءً ما أن أردده أحصل تواً على ما أريد. تمنيت أن ترحل تلك الشقراء البضة، ذات الرقبة والذراعين المترهلين، التي تنضح سحنتها بالبرود ولا تخلو من ادعاء سمج وأرستقراطية مصطنعة، إلى عالم لا رجعة منه، هي وكل من هم على شاكلتها، فتستريح الأرواح. وتمنيت أيضا أن يموت رجل يظلم الناس كل يوم. لكنهما لم يرحلا، بل عاشا طويلا وتجاورا وتلازما، وظلت ترعاهما الرفيقة الشريرة التي لم تسقط من عليائها هي الأخرى بفعل الدعاء، فليس كل ما يمتناه المرء يدركه وتجري كثيرا الرياح بما لا تشتهي السفن.

***

ازداد ضجري من كل هذا المسخ فقررت أن ألوذ بعالم الأموات، خاصة من هم في مرحلة البرزخ، بعد أن ودعوا الحياة الدنيا وفي انتظار الآخرة، كمن يقفون بين عالمين، يستمعون لنا، لكن لا يستطيعون جوابا. سافرت معهم، على نغمات الموسيقى، إلى بحر أخضر مجهول. حاولت أن أتخيل كيف يرون من تركوهم على الأرض؟ كيف ينظر الآباء أحيانا إلى إنتاجهم المشوه الذي يضر أكثر مما ينفع في بعض الأحوال؟ وما شعورهم تجاه بعض هذه الكائنات الطفيلية التي أنجبوها بفعل فاعل؟ وهل أخطاؤهم تعذب أرواح ذويهم حين يشعرون كيف أساءوا تربيتهم، أم الأناني يظل أناني حتى فيما بعد الحياة الدنيا؟

عادة ما يقولون إن الرجل ليبشر بصلاح ولده من بعده، فالأموات يعرفون أخبارنا، حتى و إن اختلف السلف حول بعض التصورات لما بعد الموت، فيذكر مثلا ابن القيم الجوزية، الفقيه وأحد أبرز أئمة المذهب الحنبلي، في كتابه "الروح" آثارا تدل على أن الأرواح تتلاقى. لكنها لا تعرف الراحة بالضرورة بعد هذا التلاقي، فقد يكرهون الشر والسوء الذي يكتشفون لدى أقربائهم: ترى الأم ما يفعل ابنها فلا ترضى وتستغفر له، أو يخجل الأب من تصرفات ابنته وتتعذب روحه أو قد يفرح بها وهي تتكلم باستمرار ولا تستريح لحظة بعد كل ما حققت من إنجازات.

***

أحلق بعيدا في عالم النفس، بعد أن تركت الروح الجسد. لا أحاول أن أقف على ما ليس لي به علما، فقط أترك لخيالي العنان وتأخذني الموسيقى ومقام راحة أرواح إلى ما يشبه بيت كثير الغرف يقيم فيه من عرفناهم سابقا وكأنهم مراقبين دوليين. بيت مليء بالذكريات والروائح، بعد أن لم يعد الجسد والروح والنفس شيئا واحدا. بيت تسكنه الطاقة. بيت تنطلق منه موسيقى على العود، ربما من مقام راحة أرواح. تعيش فيه الأرواح المنعمة المرسلة، غير المحبوسة، تتلاقى وتتزاور وتتابع ما يكون من أهل الدنيا، إذا أرادوا ذلك. يحاولون طمأنة من يحبون أو يعاتبونهم ويخاطبونهم في الحلم أو يبعثون إليهم برسالة ذات مغزى. أما الأرواح المعذبة، فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، أو هكذا اجتهد الفقهاء الذين أرادوا اللحاق بالقطار وهو سائر، مثلنا جميعا، سعيا وراء راحة أو يقين ما. نركض وراء القطار لنلحق به، بينما هو لا يزال مستمرا في سيره البطيء المتثاقل. و تتداخل كل المقامات الموسيقية في لحن غير معروف.

 نقلاًعن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقام راحة أرواح مقام راحة أرواح



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon